وتوضيحه : أنّه قد تقدّم في المباحث السابقة من أنّ الفعل الواقع على جهات مختلفة لا تقع اختياريّا من جهة خاصّة إلاّ بعد القصد إلى تلك الجهة ، وهو من الامور الجليّة. ولا ريب في أنّ الفعل إذا كان محرّما بعنوانه الخاصّ لا يقع على صفة الحرمة إلاّ إذا وقع بذلك العنوان المحرّم على وجه الاختيار ، إذ الفعل الاضطراري ولو من جهة خاصّة لا يعقل اتّصافه بالحرمة من تلك الجهة الاضطراريّة ، فعنوان « الإعانة على الإثم » إذا اريد الحكم عليه لكونه وقع على صفة الحرمة لا بدّ أن يكون ذلك العنوان مقصودا ، وإلاّ لم يكن ذلك العنوان اختياريّا ، فلم يعقل وقوعه على صفة الحرمة ، والقصد إلى عنوان الإعانة لا ينفكّ عن القصد إلى المعان عليه ، فإذا لم يكن قاصدا للمعان عليه لم يكن قاصدا للإعانة ، نظير ما تقدّم من اعتبار القصد إلى الواجب في وقوع المقدّمة على صفة الوجوب ، كما عرفت.
ويظهر من المحقّق الأردبيلي اعتبار أحد الأمرين في الإعانة : إمّا القصد كما في التجارة التي يترتّب عليها أخذ العشور للعشّار ، فإنّه لو لم يكن قاصدا إلى أخذ العشور بل كان قاصدا إلى تحصيل المنافع لنفسه لم يصدق عليه الإعانة. وإمّا الصدق العرفي وإن لم يكن قاصدا ، كما في إعطاء العصا للظالم مع طلبه منه لضرب مظلوم ، وفي طلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه إيّاها. وعلى ذلك حمل الروايات الدالّة على جواز بيع العنب ممّن يعمله خمرا (١) ، فإنّها محمولة على صورة عدم تحقّق القصد مع عدم الصدق العرفي أيضا ، كما عليه الأكثر (٢).
أقول : وفيما أفاده نظر ؛ لأنّ الإعانة ليس مشتركا لفظيّا بين مواردها وأقسامها ، كما هو ظاهر. وحينئذ فإمّا أن يكون القصد معتبرا في حقيقته أو لا
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ١٦٨ ـ ١٧٠ ، الباب ٥٩ من أبواب ما يكتسب به.
(٢) كنز العرفان : ٢٩٨.