قلت : إن اريد مجرّد المقارنة مع إمكان تبدّل العلّة المعدومة بالموجودة فهو فاسد ، لاستلزامه إمكان وجود الضدّين المستلزم لارتفاع التضادّ. وإن اريد التلازم بين وجود علّة أحدهما وانتفاء علّة الآخر فننقل الكلام إلى عدم إمكان اجتماع العلّتين ، فإن كان لتمانع بينهما ثبت المدّعى فيهما وفي معلوليهما ؛ نظرا إلى سراية التمانع من العلّتين إليهما ، وإلاّ فجاز اجتماعهما. ويترتّب عليه إمكان وجود الضدّين.
وأمّا الكبرى : فظاهرة ، فإنّ عدم المانع من أجزاء علّة الوجود ـ على ما صرّح به الكلّ ـ ولا ينافي ذلك امتناع استناد الموجود إلى المعدوم ، فإنّ ذلك يراد به أن يكون العدم معطيا للوجود ، لا أن يكون العدم شرطا لإيجاد الموجود (١) ، فإنّه لا دليل على بطلانه ، إذ لا يلزم منه سدّ باب إثبات الصانع ولا أمرا مصادما للضرورة.
ويمكن تقريب الدليل بوجه أخصر ، وهو : أنّ الوجه في امتناع وجود أحد الضدّين في مورد وجود الآخر إمّا وجوده أو أمر آخر ، والأوّل هو المطلوب. والثاني باطل ، لامتناع ذلك ولو فرض انقلاب كلّ موجود معدوما وكلّ معدوم موجودا كما هو ظاهر.
ولإثبات عدم التوقّف في طرف الفعل بما هو المقرّر عندهم في دفع قول الكعبي ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى (٢).
احتجّ من أنكر التوقّف من الطرفين بوجوه ، أقواها وجهان :
أحدهما : أنّ من المعلوم بالوجدان أنّه إذا حصل إرادة المأمور به وانتفى الصارف عنه حصل هناك أمران : فعل المأمور به ، وترك ضدّه ، فيكونان إذن معلولي علّة واحدة ، فلا وجه لجعل ترك الضدّ من مقدّمات فعل الآخر. وذلك مثل
__________________
(١) في ( ط ) زيادة : أمرا آخرا.
(٢) في الصفحة ٥٠٢ ـ ٥٠٣.