وبيان الدفع : أنّه ليس إبطالا لمانعيّة الضدّ وكونه علّة عدم الآخر ، وإنّما هو تعليق للمانعيّة على فرض ، وهذا لا يمنع أصل التمانع بعد ذلك الفرض. مثلا إذا قيل : « لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا » فذلك ليس نفيا للفساد على تقدير وجود الآلهة ، بل إنّما هو بيان للملازمة بين أمرين وإن كان الملزوم محالا ، فإنّ استحالة المقدّم لا يوجب كذب القضيّة الشرطيّة. وحينئذ فللقائل بالتمانع بين الأضداد إثبات المانعيّة على فرض وإن كان هذا الفرض محالا.
وأنت خبير بأنّ هذا الكلام وإن كان يندفع به الدور ، إلاّ أنّه ينفي التوقّف رأسا ، فلا يكون ترك أحدهما مقدّمة لفعل الآخر أيضا فضلا عن كون الفعل مقدّمة للترك ؛ لأنّ توقّف فعل الضدّ على ترك الآخر إنّما جاء من جهة كون الضدّ مانعا وعلّة لعدم الآخر وكون عدم المانع من الشرائط ـ كما قرّر في الاستدلال ـ فبعد أن قلنا باستحالة كونه مانعا نظرا إلى استحالة اجتماع وجود أحدهما مع مقتضي الآخر ـ كما يقوله رحمهالله ـ فمن أين يجيء توقّف فعل أحدهما على ترك الآخر؟ ومن أين يثبت المقدّميّة؟ على أنّ قوله : « ويجوز أن يكون هذا الفرض محالا » غير واضح الدليل ، لأنّ غاية توجيهه أن يقال : إنّ مقتضي الضدّين ضدّان أيضا نحوهما ، وبعد فرض وجود أحد الضدّين ومقتضيه يمتنع وجود مقتضي الضدّ الآخر نحو امتناع وجوده. وفيه : منع (١) التضادّ بين مقتضي الضدّين في جميع الموارد وإن سلّم بالنسبة إلى بعضها ؛ مع أنّ مقتضيهما قد يكونان قائمين بموضوعين ، فلا يكونان من الأضداد المتواردة على محل واحد حتّى يمتنع اجتماعهما في الوجود.
وتوضيح ذلك : أنّ أقصى ما في وسع المحقّق المزبور أن يقول : إنّ بين إرادة الصلاة وإرادة الزنا اللتين هما مقتضيان لهما تضادّ نحو تضادّ الصلاة والزنا ، فلا يمكن
__________________
(١) في ( ع ) و ( م ) : أنّ منع.