الجواب : أنّه يطلب منه الفعل في المستقبل ، فلا يمنع الالتباس به في الحال ، فيطلب منه أن يوجده في ثاني الحال كما يوجده في الحال ، ولو سلّم فالكفّ واضح يعلم بالمشاهدة ، ولا حاجة في العلم به إلى العلم بفعل الضدّ وإنّما يلزم النهي عن الكفّ ، وذلك واضح ولا نزاع لنا فيه ، فلا يصلح موردا للنزاع والاحتجاج (١) ، انتهى.
والظاهر أنّ مرادهما ما ذكرنا ، إلاّ أنّ ظاهرهما تسليم الملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن الضدّ العامّ في الأمر بالمجمل ، ونحن إنّما نمنع عنها في ذلك أيضا.
ثمّ إنّه يظهر من قولهما : « ولو سلّم » أنّ الأمر إنّما يقتضي النهي عن الكفّ ، وهو ليس من الضدّ العامّ ولا من الخاصّ ، وأنّه خارج عن محل النزاع. ومن هنا احتمل أن يكون مرادهما من الضدّ العامّ أحد الأضداد الوجوديّة لا بعينه ، كما يشعر به قول العضدي في تقرير الاعتراض : « إنّما يطلبه إذا علم أنه متلبّس بضدّه » وقوله في الجواب : « ولا حاجة في العلم به ـ أي بالكفّ ـ إلى العلم بفعل الضد » وكيف كان ، فغاية ما يمكن الاستدلال به على نفي الاقتضاء في الضدّ العامّ ما ذكرنا.
وجوابه : أنّ النهي التفصيلي عن الضدّ العامّ ـ وهو الترك ـ وإن لم يكن ملازما لطلب الشيء والأمر به في التصوّر والحضور في بال المتكلّم ، إلاّ أنّ النهي الشأني المراد به أنّ الآمر لو التفت إلى الترك لكان كارها له وساخطا وناهيا عنه موجود بالضرورة والوجدان ، وهذا القدر من النهي الشأني مساوق للنهي التفصيلي الفعلي في إفادة التحريم وسائر الأحكام ، نظير ما قدّمنا في وجوب المقدّمة من كونها مطلوبة للآمر بالطلب الإجمالي الشأني وكفاية هذا القدر من الطلب في إثبات الوجوب. ولا ريب في ثبوت الملازمة بين هذا النهي الشأني وبين طلب المأمور به في نفس المتكلّم ولحاظ الذهن إما بالعينيّة أو بالاستلزام أو بالتضمّن على الاختلاف المزبور.
__________________
(١) شرح مختصر الاصول ١ : ١٩٩ ـ ٢٠٠.