واستدلّ على هذا التفصيل على ما حكي عنه : بأنّ إيجاب الشيء إنّما يقتضي بحكم العقل والشرع والعرف إيجاب التهيّؤ له والتوصّل إليه ، فيجب فعل ما يقتضي وجوده وجوده وترك ما يقتضي تركه فعله ، كترك الحركة المقتضي لتحقّق السكون الواجب ، وترك ما يقتضي فعله عدم التمكّن منه كالمنافيات ، فالضدّ إن كان ممّا يوجب فعله عدم التمكّن من الواجب ـ كالسفر المانع من إيصال الحقّ المضيّق إلى صاحبه ـ فهو محرّم ، سواء قصد به الغاية المحرّمة أم لا ؛ لأنّ إباحته يقتضي عدم الإثم فيما يترتّب عليه ، فلو لم يكن الضدّ [ الموجب ](١) لعدم التمكّن منه محرّما لزم خروج الواجب عن كونه واجبا ؛ ولأنّ قضيّة إناطة الأحكام بالحكم والمصالح هو تحريم ما يقتضي رفع التمكّن من فعل الواجب ، ولما ورد من النهي عن دخول البحر قبل الصلاة لمن لا يتمكّن من الخروج عنه لأدائها (٢) وغير ذلك. وإن لم يرفع تمكّنه ، بل كان في جميع أفعال الضدّ متمكّنا من تركه وأداء الواجب ، فلا يلزم من إيجاب الواجب تحريم مثل هذا.
هذه خلاصة ما حكي عنه من الاستدلال على الفرق. ونحن نزيد عليها : بأنّ فعل الضدّ في الأوّل ـ وهو الرافع للتمكّن عن الامتثال بالواجب ـ سبب لتركه ، إذ لا معنى للترك إلاّ صيرورة الواجب بحيث يتعذّر المكلّف عن الامتثال تعذّرا اختياريّا. بخلافه في الثاني ؛ فإنّ الاشتغال بالضدّ غير رافع للتمكّن كما هو المفروض ، ومن المعلوم أنّ ترك الواجب حرام ، ويحرم لذلك فعل الضدّ الرافع ، كما تقدّم من أنّ علّة الحرام حرام.
__________________
(١) الزيادة منّا.
(٢) لم نعثر عليه بعينه ، انظر الوسائل ٣ : ٢٣٤ ، الباب ٣ من أبواب القبلة ، الحديث ٨.