وقد أجاب صاحب الفصول (١) عن هذه الأدلّة في كلمات طويلة كلّها أو جلّها مبنيّة على المقدّمة الموصلة التي عرفت فسادها.
ونحن نقتصر في المقال ونجيب عنها :
أوّلا بالنقض ، وتقريره : أنّ ما ذكر من الأدلّة إن نهض في إثبات وجوب ترك الرافع للتمكّن فمقتضاه وجوب غير الرافع أيضا ، لأنّ الكلام في ضدّ الواجب المضيّق الذي وجوبه فوريّ ثابت في جميع آنات القدرة ، ولا ريب أنّ الاشتغال بضدّ مثل هذا الواجب الفوري يرفع التمكّن عن الامتثال به زمن الاشتغال مطلقا ، من غير فرق بين شيء من الأضداد ، فإنّ الاشتغال بالصلاة ـ مثلا ـ أو بغيرها من الأضداد المنافية للإزالة يوجب امتناع فعل الإزالة في آن وقوع الصلاة ، وقضيّة ما ذكر من الأدلّة الحكم بحرمة الصلاة لكونها رافعة للتمكّن من فعل الواجب الذي هو الإزالة. وهكذا الكلام فيما فرضنا من المثال ، إذ الاشتغال بقراءة القرآن يرفع التمكّن عن أداء الشهادة في آن القراءة ، نحو رافعيّة السفر للتمكّن عن إيصال الحقّ الواجب.
نعم ، ربما يكون فعل الضدّ مستوعبا لتمام وقت الواجب بحيث لا يتمكّن المكلّف من تركه ، وقد لا يكون كذلك بل يكون من الأفعال التي يقتدر المكلّف على تركها ، وكلاهما مشتركان في كونهما رافعين للتمكّن عن الإتيان بالواجب. وإنّما الفرق بينهما هو أنّ رفع الأوّل مستمرّ إلى انقضاء وقت الواجب ورفع الثاني دائر مدار وجوده ، ولا يلزم في اتّصاف الشيء بالحرمة كونه رافعا للتمكّن عن الامتثال بالأمر الفوري مطلقا ، بل يكفي في ذلك كونه رافعا للتمكّن في آن ما ، ضرورة وجوب المسارعة إلى الامتثال في الأوامر الفوريّة في كلّ آن وحرمة التأخير ، بحيث إذا أخّر كان عاصيا تاركا للعمل بالقضيّة (٢) الفوريّة.
__________________
(١) الفصول : ١٠٠.
(٢) في ( م ) : بما يقضيه.