الأصل عند عدم دلالة تطمئنّ بها النفس ، اللهمّ إلاّ أن يريد به أصالة الإطلاق ، وهو كما ترى. وأمّا ظهور اختلاف كلمات العلماء في الأجزاء والشرائط فهو على وجه لا ينبغي إنكاره من المتتبّع. وأمّا توفّر الدواعي فلا نعرف له في المقام مزيّة اختصاص بالنسبة إلى غيره من الأحكام الشرعيّة.
ومنها : أنّه على القول بالأعم لا وجه للتمسّك بالإطلاق في استكشاف المطلوب (١) ؛ لأنّ المطلوب لا بدّ وأن يكون صحيحا ، لامتناع تعلّق طلب الشارع بالفاسد ، فكلّ واحد من المذهبين في حدّ واحد من عدم التمسّك بالإطلاق.
بل ربما قيل : بأنّه على القول بالأعم لا يعقل وجه صحّة لذلك ؛ لأنّ الصحّة إذا صارت قيدا للمأمور به فلا بدّ من تحصيل هذا القيد ، فإذا شكّ في جزئيّة شيء فلا بدّ من الاحتياط ولا يجري البراءة ؛ إذ ليس هناك قدر متيقّن حينئذ ، بخلافه على القول بالصحيح ، فإنّ المكلّف به فيه نفس تلك الأجزاء المردّدة بين الأقلّ والأكثر من دون عنوان ، فيصير الأقلّ قدرا متيقّنا في المكلّف به ، كما قرّر في محلّه (٢).
وفيه : أنّه مغالطة ناشئة عن عدم تعقّل معنى الصحّة في المقام.
وتوضيحه : أنّ قول المعترض : « إنّ المطلوب لا بدّ وأن يكون صحيحا » إن أراد به الصحّة المنتزعة من الماهيّة التي تعلّق بها الطلب والأمر قبل تعلّق الطلب بها (٣) فهذا ممّا يجب استكشافه بالإطلاق ، إذ لا سبيل إلى العلم بها بحسب الأسباب الظاهريّة إلاّ به. والسرّ في ذلك : أنّ المتكلّم إذا حاول طلب أمر على وجه من الوجوه فلا بدّ له من إظهار مقصوده على وجه مفيد لمقصوده ، فإذا أمر بعتق رقبة
__________________
(١) انظر القوانين ١ : ٥٦ ـ ٥٧.
(٢) انظر فرائد الاصول ٣ : ٣٤١ ـ ٣٤٧.
(٣) لم يرد « بها » في « ط ».