وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ إنكارهم وجود المصالح والجهات المحسّنة ممّا لا ربط له بالقول بتأكّد الطلب بواسطة العنوانين ، وهو ظاهر.
وبمثله نقول فيما إذا اجتمع الوجوب والندب ، فإنّه يحصل به تأكّد الطلب نظير اجتماع السواد الشديد والضعيف ، فإنّ الثاني لا يتحقّق في مورد الشديد على وجه يغاير الشديد ؛ لما عرفت من لزوم اجتماع المثلين ، بل يشتدّ الشديد بلحوقه.
ولا بدّ أن يكون الحكم الفعلي في مورد اجتماعهما الوجوب دون الاستحباب ، لاضمحلال الضعيف في جنب الشديد دون العكس ، فإنّ وجود الجهة الناقصة لا ينافي ثبوت الوجوب.
وتحقيقه : أنّ الجهات التي لا تقتضي حكما إلزاميّا ـ كالإباحة والندب ونحوهما ـ إنّما يستند إليها فيما إذا لم تكن للشيء جهة ملزمة ، فإنّه يكفي في تحريم شيء اشتماله على جهة مقبّحة مقتضية لتركه على وجه الإلزام ، ولا حاجة إلى اشتماله على تلك الجهة من جميع الجهات ، ويكفي في إيجاب الشيء اشتماله على جهة مقتضية له وإن اشتمل على جهات أخر لا تقتضي ذلك ، وهو ظاهر.
فيحصل من جميع ما مرّ أنّ اجتماع الوجوب والاستحباب والوجوبين على اختلاف وجوههما من النفسيّة والغيريّة وغيرها (١) غير ممكن لو اريد به وجودهما فعلا ، وممكن لو اريد به وجود الآثار المستندة إليهما من الثواب والامتثال ، ولذلك قلنا بصحّة الوضوء في وقت وجوبه فيما لو نوى استحبابه في نفسه كما تقدّم في بحث المقدّمة (٢) ، لكنّه مبنيّ على القول باختلاف الوجوب والاستحباب بالشدّة والضعف ، كما هو الظاهر.
__________________
(١) كذا ، والمناسب : غيرهما.
(٢) راجع الصفحة ٣٥٧.