قلت : إنّ بعد ما عرفت من إطلاق سببيّة أفراد السبب ووجوداته ، يستقلّ العقل بالحكم بتعدّد وجود ذات المسبّب ؛ نظرا إلى امتناع اجتماع العلل المتعدّدة المعلومة علّيتها بإطلاق الدليل على معلول واحد.
وما اشتهر : من أنّ العلل الشرعيّة معرّفات ليست بعلل حقيقيّة فيمكن اجتماعها على معلول واحد ، ممّا لا يجدي في المقام ، إذ لا إشكال في أنّ هذه الأسباب أسباب عقليّة بعد جعل الشارع للأحكام المترتّبة عليها من الوجوب ونحوه ، كما هو ظاهر.
وأمّا عدم وجوب قتل زيد مرّة ثانية فليس لأجل أنّ أسباب وجوبه ليست عللا حقيقيّة ، بل بواسطة وجود المانع ، وهو اتّصاف المحلّ بالمثل وامتناع اجتماع الأمثال ، فيقال : إنّ تلك الأسباب بشرط قبول المحلّ وعدم اتّصافه بالمثل علل تامّة للوجوب ، وهذا التقييد ممّا يقضي به العقل ، وأين ذلك من التقييد اللازم على تقدير تداخل الأسباب؟ فإنّه لا قاضي به.
وبالجملة ، فنحن لا نلتزم بتداخل المسبّبات إلاّ حيث يقوم دليل من العقل أو النقل على التداخل ، كما لا نلتزم بتداخل الأسباب أشخاصها أو أنواعها إلاّ بعد دلالة الدليل.
فإن قلت : هب! إنّ مقتضى إطلاق السببيّة تعدّد الوجوب عند تعدّد أفراد السبب وتكرّره ، ولكن لا نسلّم أنّه كلّما تكرّر الوجوب يجب إيجاد الواجب على حسب تكرّره ، وإنّما يلزم ذلك فيما لو استلزم تكرّر الوجوب تعدّد الواجب ، وليس كذلك كما في تعدّد الإيجاب ، إذ كثيرا ما يتعدّد الإيجاب ، مع وحدة الواجب ، كما في الأوامر الواردة بالصلاة والزكاة على جهة التأكيد ونحوه.
قلت : بعد ما عرفت من أنّ ظاهر الإطلاق هو سببيّة كلّ فرد للوجوب ـ كما اعترف به ـ لا وجه لما ذكره أصلا ، إذ لا نعقل من تعدّد الوجوب الذي هو صفة