ومن الثاني : قوله تعالى : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ )(١) وقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ )(٢) و « الصلاة خير موضوع » (٣) فإنّ هذه الإطلاقات نظيرة لما يتلهّج به الوعّاظ في مقام الإيعاد على ترك العبادة وبيان ما يترتّب عليها من الثواب ، فيكون المراد بها ما هو المفروغ كونه تلك العبادة بعد تشخيص مفاهيمها وتعيين أجزائها وشرائطها ، وأين ذلك من ورود المطلق في مقام يمكن التعويل عليه في دفع الشك في جزئية شيء أو شرطيّته ، كما لا يخفى.
وقد يمنع من ذلك ، بل يعدّ دعوى ورود هذه الإطلاقات المتكثّرة في غير مقام البيان مكابرة.
إلاّ أنّ الإنصاف : أنّ الاطمئنان بورودها في مقام البيان غير حاصل بعد العلم بعدم ورود جميعها في مقام البيان.
لا يقال : إنّ العلم بورود البعض في مقام البيان كاف في الأخذ بالإطلاق.
لأنّا نقول : لو سلّم ذلك فإنّما هو فيما إذا كان معلوما على وجه التفصيل ، وأمّا إذا علم إجمالا واختلف مفاد تلك الإطلاقات فلا بدّ من الاقتصار على ما هو المتيقّن منها.
ثالثها : أنّ كثرة التقييدات الواردة على تلك المطلقات إنّما أوجبت وهنا في الرجوع إليها عند الشك.
وفيه ـ بعد الإغماض عن اطّراده ـ : أنّ كثرة القيد لو كان كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان فهو راجع إلى الوجه الثاني ، وإن لم يكن كاشفا
__________________
(١) البقرة : ٢٣٨.
(٢) العنكبوت : ٤٥.
(٣) مستدرك الوسائل ٣ : ٤٣ ، الباب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ٩.