عن ذلك فلا مانع من الرجوع إلى الإطلاق وإن بلغ التقييد ما بلغ. نعم ، ورود القيد كاشف عن عدم ورود المطلق في مقام البيان من جهة ذلك القيد خاصّة دفعا للتنافي ، ولا مدخل له بسائر الجهات التي يمكن الأخذ بإطلاق المطلق فيها ، كما لا يخفى.
ورابعها : أنّ هذه الإطلاقات إنّما تكون مقيّدة بالمجمل ، كما في قوله صلىاللهعليهوآله : « صلّوا كما رأيتموني اصلّي » (١) وقوله : « خذوا عنّي مناسككم » (٢).
وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ فيما إذا كان التقييد بذلك الأمر المجمل معلوما ، وأمّا إذا شكّ في أنّه هل هو قيد له أولا؟ فأصالة الإطلاق مصونة عن المانع. وما نحن فيه من قبيل الثاني ؛ فإنّ قوله : « صلّوا » يحتمل أن يكون فعلا ماضيا ليكون حكاية عن فعل الملائكة والأنبياء ليلة المعراج ، ويحتمل أن يكون أمرا ، وعلى الثاني يحتمل أن يكون واجبا ، وأن يكون مستحبّا ، فعلى الأوّل والثالث لا مدخل له بذلك المطلق ، فلا نعلم بكونه مقيّدا حتّى يؤخذ بقاعدة إجمال المقيّد. وكذا قوله : « خذوا عنّي مناسككم » يحتمل الوجهين ، كما هو ظاهر.
لا يقال : إنّ ظاهر الأمر هو الوجوب كما هو قضيّة أصالة الحقيقة ، وبعد ذلك لا بدّ أن يكون مقيّدا ، فيتمّ المطلوب.
لأنّا نقول : إنّ ما ذكرنا إنّما هو على سبيل التنزّل والمماشاة ، وإلاّ فمن المعلوم وجوب حمل تلك الأوامر على الاستحباب ؛ ضرورة اشتمال صلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله على الأجزاء المسنونة ، فيكون الأمر بها نظير الأمر بأفضل أفراد الواجب التخييري الموصوف بالاستحباب قطعا.
__________________
(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ ، الحديث ٨.
(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢١٥ ، الحديث ٧٣.