أمّا الأوّل : فلأنّ مرجعه إلى التخصيص اللفظي ، كما فيما إذا قيل : صلّ ولا تصلّ في الدار المغصوبة. ولعلّ السرّ في ذلك أنّ النهي المذكور تابع لمفسدة ثابتة في الفرد الخاصّ فيتعلّق النهي به لكونه فاسدا ، وليس الفساد فيه تابعا للنهي ، فيجب الأخذ بمقتضى الفساد في جميع الأحوال. ونظيره الأوامر الواردة في مقام بيان ماهيّة العبادات المركّبة ، فإنّها قاضية بأنّ تلك الأجزاء ممّا لا يتخلّف عن مركّباتها عمدا وسهوا واضطرارا.
وأمّا الثاني : فلأنّ مرجعه إلى مزاحمة بين الطلبين على وجه لا بدّ من الالتزام بانتفاء أحدهما مع وجود مقتضي الطلبين ، وبعد القول بترجيح النهي في مورده على الأمر لا بدّ من القول بفساد العبادة ، فالفساد تابع للنهي ، وبعد ارتفاع النهي المانع من تعلّق الطلب الوجوبي مع وجود ما يقضي به يعود ذلك الطلب ، فيصحّ العمل لو وقع في حال السهو والنسيان من دون شائبة.
فإن قلت : إنّ ارتفاع الطلب التحريمي لا يكفي في صحّة المأمور به مع بقاء المفسدة التي ينبعث منها التحريم بناء على اصول العدليّة ، ولا سبيل إلى منع المفسدة على تقدير انتفاء الطلب ، فإنّ ذلك يستلزم اختلاف الفعل بواسطة الذكر والنسيان والجهل والعلم ، وهو التصويب كما لا يخفى ، ووجه اللزوم ظاهر.
قلت أوّلا : إنّ ما ذكر من وجود المفسدة إنّما يتمّ فيما إذا كان ذهاب النهي بالسهو والجهل ونحوهما ممّا يليق اختلاف الأحكام باختلافها. وأمّا الاضطرار فيصحّ اختلاف الأحكام والمفاسد والمصالح به ، فلا دليل على وجود المفسدة بعد ارتفاع الطلب.
وثانيا : سلّمنا وجود المفسدة في جميع الموارد ولكن لا نسلّم أنّ المفسدة تمنع عن تعلّق الطلب الوجوبي في موردها ، لأنّ المانع إمّا مجرّد اجتماع المفسدة والمصلحة كالأمر والنهي والحسن والقبح ، وإمّا اقتضاء اللطف عدم تعلّق الأمر والطلب بمورد وجد فيه المفسدة.