أمّا الأوّل : فلا نسلّم امتناع اجتماعهما إن لم يكن المراد بهما الحسن والقبح الفعليّان ، ضرورة صحّة اجتماع المفسدة والمصلحة في شيء بالنسبة إلى جهات عديدة ؛ وذلك نظير اتّصاف شيء واحد بإضافات متقابلة كالابوّة والبنوّة والفوقيّة والتحتيّة ، لكن لا بالنسبة إلى شيء واحد بل بالنسبة إلى أشياء متعدّدة ، فيصحّ أن يكون السقمونيا مفسدة لأحد الأخلاط الأربعة ومصلحة لآخر منها ، وذلك أمر ظاهر. والوجه في ذلك : انتفاء التقابل بعد ملاحظة الجهات ، فإنّ ابوّة زيد لا تقابل بنوّة عمرو ، لا أنّهما متقابلان ويكفي في اجتماعهما واتّصاف المحل بهما وجود الجهتين. وإن اريد من المصلحة والمفسدة الحسن والقبح فالحقّ ارتفاعهما بارتفاع الطلب.
وأمّا الثاني : فلا نسلّم أنّ قضيّة اللطف عدم تعلّق الطلب بمورد يكون فيه المفسدة ، كيف! والوقوع في تلك المفسدة ممّا لا مناص عنه ، فإنّ المفروض أنّه ليس من الامور الاختياريّة ، بل المكلّف يقع في تلك المفسدة على وجه الاضطرار ، فلا مانع من إيصال المكلّف إلى مصلحة الفعل ولا يلاحظ فيه مساواة المصلحة للمفسدة وزيادتها عليها ، فإنّ المفسدة لازمة لا مناص عنها ، فيكون المصلحة بمنزلة ما لا معارض لها.
هذا ما وسعنا من الكلام في أدلّة المجوّزين والجواب عنها. وبعد ما عرفت في جوابها من ثبوت المانع من الأخذ بإطلاقات الأوامر والنواهي في مورد الاجتماع لا حاجة إلى إيراد احتجاج القول بالامتناع.
وقد يذكر في الدليل على الامتناع وجوه مرجعها إلى ما ذكر في الأجوبة المتقدّمة ، فإن أردتها فارجعها (١). والله الهادي إلى سواء السبيل.
__________________
(١) كذا ، والمناسب : « فراجعها ».