للعقل والحكم بجوازه ، وكذلك العكس. والسرّ في ذلك : أنّ العرف لا حكومة له في قبال العقل ، بل العرف مرتبة من مراتب العقل وطور من أطواره ، حيث إنّ جهة الارتباط والاستيناس باستفادة المعاني من الألفاظ بواسطة العلم بأوضاعها أو قرائنها يسمّى بالعرف. ولا شكّ أنّ هذه أيضا من مظاهر العقل وجنوده ، وكيف يعقل اختلاف حكمي العقل والعرف في موضوع واحد مع أنّ العرف هم العقلاء؟ وذلك ظاهر.
وكذا لا سبيل إلى الثاني كأن يكون هناك موضوعان يحكم العقل في أحدهما بالجواز كما إذا فرضنا أنّ متعلّق الأوامر هو الطبائع وفرضنا جواز اجتماع حكمين متضادّين في فرد واحد من طبيعتين من تلك الطبائع ، ويحكم العرف في الآخر بالامتناع كما إذا فرضنا أنّ متعلّق الأمر والنهي خصوص الفرد الجامع للعنوانين ، فإنّه لا كلام في امتناع ذلك حتّى من المجوّزين ، ففي كلّ واحد من الموضوعين يتطابق العقل والعرف في الحكم بالامتناع والجواز ، لما عرفت من أنّه لا حكومة للعرف في قبال حكومة العقل.
وحينئذ نقول : إنّ المستفاد من الخطابات الشرعيّة من الأوامر والنواهي إمّا الموضوع الذي يحكم العقل فيه بالجواز كما تخيّله المجوّزون من تعلّق الأوامر بالطبائع وكفاية تعدّد الجهة في رفع التضادّ ، أو الموضوع الذي يحكم العرف فيه بالامتناع. وعلى التقديرين لا وجه للتفصيل المذكور ؛ لما عرفت من تطابق العقل والعرف في كلّ واحد من الموضوعين بالجواز والامتناع ، ومع ذلك لم يبق للتفصيل وجه يمكن التعويل عليه ويركن إليه.
فإن قلت : إنّ الوجه في التفصيل هو أنّ المستفاد من الأمر والنهي بمقتضى الوضع في اللغة هو المعنى الذي لا يستحيل عقلا اجتماع الوجوب والحرمة فيه كما مرّ في دليل المجوّزين ، وهذا المعنى ليس مستفادا عند العرف ، بل المستفاد عندهم هو