وأمّا ملاحظة الترجيح بين المدلولين ـ كأن يؤخذ بالحرمة لكونها أسهل من الوجوب ـ فقد يظهر من بعضهم الأخذ بها في المقام من وجوه :
منها : ما عرفت من أنّ الحرمة لمكان كونها مستلزمة للترك أسهل من الوجوب.
وفيه : منه كونها أسهل ، ومنع جواز الأخذ بالأسهل على تقديره.
ومنها : ما تعارف بينهم من أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، فالأخذ بالنهي أولى ؛ لأنّ في فعل المنهيّ عنه مفسدة.
وفيه ـ بعد الغضّ عن انحصار مصالح النهي في دفع المفسدة ومصالح الأمر في جلب المنفعة ، فإنّ ذلك يستلزم أن يكون ارتكاب معصية صغيرة بفعل المنهيّ عنه أشدّ من ترك أعظم الواجبات ، لأنّ في تركها لا منفعة وفي فعلها مفسدة ودفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ـ أنّ ما نحن فيه ليس من موارد القاعدة لوجهين :
الأوّل : أنّها لا مسرح لها إلاّ في مورد يحكم فيه بالتخيير بعد عدم الأخذ بالترجيح ، مثل ما لو دار الأمر بين وجوب شيء في الشريعة وبين حرمته ـ كشرب التتن مثلا فيما لو فرض احتمال وجوبه ـ وما نحن فيه بعد عدم الترجيح لا وجه للأخذ بالتخيير ، لما عرفت من حكومة الأصل في موارد الشكّ من العامّين من وجه.
الثاني : أنّ من الظاهر أنّ القاعدة المذكورة إنّما يؤخذ بها فيما إذا كانت المنفعة والمصلحة متساويتين في ترتّبهما على الفعل والترك ، وليس كذلك فيما نحن بصدده ، فإنّ الوجوب المفروض في المقام ممّا يحصل المصلحة فيه بإتيان فرد آخر من الطبيعة الواجبة ، بخلاف الحرمة فإنّها عينيّة لا بدل لها.
لا يقال : إنّ ذلك يوجب تقديم الحرمة بوجه أولى.
لأنّا نقول : لسنا في صدد عدم تقديم الحرمة ، وإنّما ذلك منّا مناقشة في الطريق.