وأمّا في العبادات فإن كان الشك في صحّتها بمعنى موافقتها للأمر ، فيمكن جريان الأصل المذكور أيضا ، لكنّه ليس على إطلاقه.
وتوضيحه : أنّ الشكّ في مطابقة الأمر تارة بواسطة الشك في وجود الأمر رأسا ، واخرى بواسطة الشكّ في كون المشكوك فيه من أفراد المأمور به ، فتارة بواسطة إجمال المفهوم ، واخرى بواسطة الشك في تعميم المأمور به للفرد المشكوك فيه.
فعلى الأوّل ، لا شكّ في جريان الأصل المذكور ، لأنّ الشكّ في وجود الأمر ، والأصل عدمه ، وعدم الأمر ـ ولو بالأصل ـ يكفي في فساد العبادة ، لأنّ صحّتها موقوفة على العلم بالأمر ، فإنّها (١) عبارة عن موافقة الأمر بالفرض.
وعلى الثالث ، فالأصل أيضا يقضي بالفساد ، إذ مرجع الشك إلى أنّ طبيعة المأمور به هل تعمّ المشكوك أم لا؟ وهذا وإن كان لا يجري فيه الأصل ، إلاّ أنّ الأصل عدم حصول الامتثال به ، كما هو الشأن في كلّ مقام لا يجري في نفسه الأصل بواسطة التعارض ، فإنّه يرجع إلى أصل ثالث لازم لأحد المتعارضين ، كما قرّر في محلّه.
وعلى الثاني ، فإمّا أن يعلم من ذلك المفهوم المجمل شيء معلوم ، أو لا يعلم ، وعلى الأخير لا بدّ من الأخذ بالبراءة أو الاشتغال ، على الخلاف. وعلى الأوّل فلا بدّ من إتيان ذلك المعلوم إجمالا كما عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة في شيء من العبادات كالصلاة ـ مثلا ـ بناء على ما هو التحقيق من البراءة عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة. فالقول بذلك مع حسبان أنّ الأصل عند الشكّ في موافقة العبادة للأمر الفساد بأقسامها ـ كما رآه المحقّق القمّي رحمهالله (٢) ـ تناقض صرف. اللهم إلاّ
__________________
(١) في ( ع ) : فإنّ صحّة العبادة.
(٢) القوانين ١ : ١٥٥.