الأوّل في بيان التحقيق في العبادات
فنقول : إنّ النواهي الواردة في العبادة بأقسامها لا تخلو من قسمين :
أحدهما : ما هو منساق لبيان المانع ، كالأوامر الواردة في العبادات لبيان الأجزاء والشرائط. ولا إشكال في دلالة هذه النواهي على الفساد ، بل ذلك لا يخلو عن مسامحة ، فإنّ الفساد الواقعي إنّما أوجب النهي عن العبادة المقارنة للمانع ، لا أنّ النهي اقتضى الفساد. فكلّما دل دليل على وجه الإطلاق أو العموم على مشروعيّة عبادة ، ثمّ تعلّق النهي بفرد خاصّ منه على وجه يستفاد منه وجود المانع عن الامتثال ، فلا إشكال في الحكم بكون العبادة فاسدة ، فإنّ النهي حينئذ يكون ناظرا إلى ذلك الإطلاق ويكون مقيّدا له ، ومع تقييد الإطلاق لا سبيل إلى دعوى الصحّة. وكأنّ هذا القسم من النهي أيضا لا كلام في اقتضائه الفساد.
وثانيهما : ما هو منساق لتحريم أصل العبادة ، من دون إرشاد إلى عدم وقوع الامتثال بها ، كقولك : « لا تصلّ في الدار المغصوبة » غير قاصد بذلك رفع الإذن الحاصل من إطلاق الأمر بالصلاة. وينبغي أن يكون ذلك محلاّ للنزاع ، لما عرفت من عدم قبول القسم الأوّل للنزاع.
فالحقّ أنّ النهي التحريمي يقتضي الفساد ، لما عرفت في المسألة المتقدّمة من عدم جواز اجتماع الوجوب والحرمة في مورد شخصي ، فالنهي يلازم فساد ما تعلّق به. ولكن ليس الفساد الحاصل من النهي في المقام مثل الفساد في القسم الأوّل ؛ لأنّ الفساد في المقام تابع للنهي ، فمتى وجد النهي يمكن الحكم بالفساد ، ومتى انتفى النهي لمانع ـ كالغفلة والنسيان والضرورة ونحوها ممّا يرتفع معها التكليف ـ فلا فساد ، بخلاف الفساد في القسم الأوّل ، فإنّه ليس تابعا للنهي ، بل النهي إنّما تعلّق به لكونه فاسدا ، فعند ارتفاع النهي بواسطة الضرورة ـ مثلا ـ لا يمكن