وثالثها : أن يكون مفاد النهي حرمة الآثار المترتّبة على المعاملة المطلوبة عنها ، مثل ما يدلّ على حرمة أكل الثمن فيما إذا كان عن الكلب والخنزير مثلا. والفرق بين هذا القسم وسابقه ظاهر ، فإنّ المبغوض في الأوّل هو ملكيّة المسلم للكافر مثلا ، والمبغوض في هذا القسم هو حرمة التصرّف في الثمن والمبيع ونحو ذلك ممّا هو من الآثار المترتّبة على الملك على وجه لو حصل الملك لا وجه للمبغوضيّة ، فيدلّ ذلك النهي بالالتزام على عدم حصول الملك بهذه المعاملة ، وهو عين الفساد.
ورابعها : أن يكون النهي ناظرا إلى إطلاق دليل الصحّة ، فيكون لا محالة مقيّدا لإطلاقه ، ويكون مفاده التصريح بالدلالة على الفساد ، فكأنّه بمنزلة الاستثناء لقوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١) ـ مثلا ـ الدالّ على حصول الملك والنقل والانتقال بإحراز العقد وإتمام طرفيه. وهذا القسم نظير النهي المسوق لبيان المانع في العبادة.
فلا إشكال في عدم دلالة القسم الأوّل على الفساد ، لعدم ما يقضي به عقلا ولا لفظا. ويحتمل دلالة الثاني على الفساد وعدمه ، كما عرفت بناء على القولين على تأمّل أيضا. وأمّا الثالث والرابع ، فلا يبقى الإشكال في الدلالة على الفساد. هذا ما يتعلّق بهذه الموارد على تقدير العلم بها وتمييزها عن غيرها.
وأمّا عند الاشتباه فهل يحكم بعدم الدلالة حملا للنهي على ظاهره من تعلّقه بعنوان فعل المكلّف وإن كان ذلك معاملة ، أو بالدلالة حملا له على أحد الوجوه الباقية الدالّة؟
فنقول : إن قضيّة القواعد اللغويّة من إعمال أصالة الحقيقة هو المعنى الأوّل ،
__________________
(١) المائدة : ١.