فيحكم بالحرمة دون الفساد. ثمّ إذا قامت قرينة على عدمه فالمصير إلى الثاني أقرب ، فإنّ استعمال النهي في الطلب الغيري لا يوجب تجوّزا ، وإن كان الظاهر هو النهي النفسي ، كما قرّر في محلّه.
ومنه يظهر أنّ الثالث أيضا في هذه المرتبة ، لاشتراكهما في استعمال النهي في معناه التحريمي ، غاية الأمر أنّ الباعث على ذلك التحريم في الأوّل حصول الملك المبغوض ، وفي الثاني الآثار المترتّبة على الملك ، كما عرفت.
لكن ذلك مع قطع النظر عمّا يقتضيه استقراء موارد النهي في المعاملات ، فإنّ الغالب في النهي المتعلّق بالمعاملة من حيث إنّها معاملة ـ لا من حيث إنّه فعل من الأفعال ـ هو المعنى الثالث والأخير. وتشخيص الموارد حقّ التشخيص موكول إلى ملاحظة الأطراف والجوانب.
ولا بدّ من تنزيل الإجماع المدّعى في كلامهم على دلالة النهي على الفساد في المعاملات على ما ذكرنا ، فإنّ دعوى عمومه حتّى في الموارد التي يتعلّق النهي بالمعاملة لا من حيث إنّها معاملة مجازفة صرفة.
ثم إنّه قد يكون هناك معاملة مشتملة على جهتين : إحداهما الحرمة الذاتيّة مثل سائر الأفعال المحرمة ، والاخرى عدم وقوع مضمونها وعدم ترتّب آثارها ، فإيجادها محرّم ، والأخذ بآثارها محرّم آخر. إلاّ أنّه لا بدّ من استفادة هذين النحوين من دليلين ، لا من دليل ، من غير فرق في ذلك بين أنّ الدالّ على التحريم هو صيغة النهي أو أحد الألفاظ المساوية له في إفادة المعنى المذكور ، كما في قوله : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ )(١) خلافا لبعض الأجلّة ، حيث خصّ الحكم بصيغة النهي ، زعما منه أنّه صريح في الدلالة على الفساد ، وإن فرض
__________________
(١) النساء : ٢٣.