ثم إن الوحيد البهبهاني قد اختار في فوائده الجديدة تفصيلا لا بأس بذكره.
وحاصله : الفرق بين ما إذا كان دليل صحّة المعاملة منحصرا فيما يدلّ على الحكم التكليفي فيدلّ ، وبين ما لا يكون فلا يدلّ. ومثّل للأوّل بقوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ )(١) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(٢) و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ )(٣).
واحتجّ على ذلك : بأنّ الصحّة متى استفيدت من الحكم التكليفي ـ كالوجوب والإباحة ـ كانت تابعة له ، فلا يجامع النهي الذي يدلّ على ارتفاع ذلك الحكم. وأمّا إذا لم تكن مستفادة من ذلك ، كقوله : « متى التقى الختانان وجب المهر » لا دلالة للنهي على الفساد ، فإنّ حرمة الالتقاء حال الحيض ، لا ينافي ترتّب الأثر على الالتقاء ، فلا بدّ من الجمع بين ما دلّ على الترتّب وبين ما دلّ على الحرمة (٤).
ولعلّ ذلك قريب ممّا قدّمنا بحسب المفهوم ، فإنّ (٥) الموارد التي قلنا فيها بعدم الدلالة ، كالنهي عن البيع في الجمعة بواسطة تفويت الصلاة ، وتلقّي الركبان بواسطة إيراثه الغلاء ـ كما يستظهر من الروايات ـ ففي الأوّل لا بدّ من التخصيص ، وفي الثاني لا بدّ من الجمع.
إلاّ أنّه يرد عليه أمران :
أحدهما : أنّ هذا التفصيل قلّما يوجد لو لم يؤخذ بما هو المناط فيه كما قرّرنا ، فإنّ الأغلب أنّ دليل الصحّة في المعاملات ليس منحصرا فيما يفيد الحكم التكليفي ،
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) المائدة : ١.
(٣) النساء : ٢٩.
(٤) الرسائل الفقهيّة : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، وانظر الفوائد الحائرية : ١٧٤.
(٥) في ( ط ) شطب على « فإنّ » وكتب في الهامش ما يلي : فإنّ الموارد التي التزمنا فيها بالفساد إنّما يكون النهي.