يتم وفق مبادئة الرسالية المعلنة ، ومن يعرف تاريخه صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرف كم من مرة ومرة أعاد إليه بعض الأصحاب تذكر هذه المرارة ، حينما تراهم يجبهونه بقولهم له : منك هذا ، أم من الله؟! متناسين في ذلك قول الله لهم انه لن ينطق عن الهوى وإنه لن يتقوّل على بعض الأقاويل ، فما بالك بعظيماتها؟! وتراه (بأبي وأمي) يعيد عليهم الكرة بعد الأخرى وهو يقسم لهم أن الأمر من الله!!
ولك أن تتأمل من بعدئذ في مخاوفه (بأبي وأمي) وهو يطالب بأن يبلّغ الناس بأن تركته تتلخص في القرآن وفي أهل بيته خاصة! ومتى؟ حين غدا الموت قريباً منه ونعيت إليه نفسه! فما أبسط التهمة إليه بأنه إنما كان يبغي من كل ذلك لنفسه ولأسرته حكماً وسلطاناً ، لينجر الأمر من بعد ذلك إلى التشكيك بالوحي والنبوة وما بعدهما ، فيضيع كل ما جاهد به وما كابد من أجله ، وما تأذى من أجله بالأذى الجسيم أذىً وصفه (بأبي وأمي) : ما أؤذي نبي مثل ما أوذيت! وهي التهمة التي سارع الزمن الخؤون كي يسمعها (بأبي وأمي) وهو على فراش الموت ينازع النفس ليقول لهم وهو حريص على ان يتم أمر التبليغ ويصونهم من أن يردوا حياض الضلال : هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً!
وأي شيء يمكن أن يغري أصحاباً مثل إغراء عدم الضلال أبداً الذي عرضه عليهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! وهم الأصحاب الذين وصفوهم بأنهم كانوا التجسيد الكامل لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (١) وقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَه
____________________
(١) آل عمران : ١١٠.