وهذا السلب ليس سلباً تكوينياً ، بل لأن العباد المنظورين في الآية أقوى من أن توثر فيهم وساوس الشيطان ونزغاته.
وأهواء النفس التي وصفت بأن لها قدرة كبيرة على أن تبدل إله الإنسان بألوهيتها وفقاً لقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) (١) ، فعلاوة على إن وصف متبع الهوى بما لا يليق بمؤمن فضلاً عن نبي ، إلا اننا يمكننا أن نعرف أن الأنبياء والأولياء هم رواد التوحيد ، وحاشى الله أن يرسل لعباده من لا يملك هواه ، بل من لا يوحّده حق التوحيد!! على ان هذا الوصف ناف للنبوة عنهم بشكل تام ، والقصص القرآني مليء بالكثير من مناقبيهم عليهمالسلام التي تظهر صدقهم بالتعامل مع الله سبحانه وتعالى وتفاهيم في هذا المجال ، وفي هذا الخصوص ثمة استدلال عقلي جميل لهشام بن الحكم (رضوان الله تعالى عليه) إذ يقول وهو يتحدث عن عصمة الإمام عليهالسلام بما يصلح لتطبيقه على الأنبياء عليهمالسلام أيضاً : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص والحسد والغضب والشهودة ، فهذه منفية عنه ؛ لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه ، لأنه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص؟! ولا يجوز أن يكون حسوداً لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه ، وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من هو دونه؟ ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا إلاّ أن يكون غضبه لله عزّ وجلّ ، فإن الله عزّ وجلّ قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عزّ وجلّ ، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ، ويؤثر الدنيا على الآخرة ، لأن الله عزّ وجلّ حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا ، فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح؟ وطعاماً طيباً لطعام مر؟ وثوباً ليناً لثوب خشن؟ ونعمة دائمة باقية لدنيا
____________________
(١) الجاثية : ٢٣.