وعباده وعبّر عنهم موضع ثقة علمه ، وجعلهم مصداقاً لقوله تعالى : (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (١) ، وهذه الثقة هي التي جعلتهم يتخلصون من كل صور اللهجة الصارمة التي تتداعى مصداقيتها الفعلية من خلال الآيات الكريمة : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (٢) ، مما يعني أني ارادتهم عليهمالسلام لم تكن بالارادة العاجزة عن مواجهة بعض التحديات التي قد تحول عن تواصلهم مع الله سبحانه وتعالى دون أدنى مجال للمعصية.
ولو لحظنا ذلك من خلال الأسباب الموضوعية المؤدية إلى الوقوع في المعاصي والآثام لوجدنا أن القرآن في الوقت الذي وصف هذه الأسباب بعناصر الضعف ، قام بوصف أنبياء الله ورسله والمصطفين من عباده بكل ما يليق بهم من عناصر القوة ، ولا يمكن لضعيف أن يتغلب على قوي.
فالجهل الذي يعدّه القرآن السبب الرئيس للوقوع في المعاصي والآثام نتيجة غياب هيئتها الحقيقية عنه ، والعامل الفعال في احباط بصيرة الإنسان عن رؤية حقائق الأمور ، ينتفي مع الأنبياء ، فمن المعلوم أن النبوة هي الرائدة في محاربة الجهل.
والشيطان الذي يعد أحد العوامل الرئيسية الأخرى في ارتكاب الآثام ، وفي ايجاد الغشاوة التي تؤثر على رؤية الحقيقة ، وصف بأن كيده كان ضعيفاً وفقاً لقوله تعالى : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (٣) ، والخالق الذي أعطاه القابلية للتأثير على من يسلم قياده إليه ، سلبه قدرة التأثير على خاصة الأولياء كما قال تعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (٤) ،
____________________
(١) الأنعام : ١٢٤.
(٢) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.
(٣) النساء : ٧٦.
(٤) الحجر : ٤٢.