ولكن هارون عليهالسلام بعد أن رأى انهم لا يستجيبون له ، ترك المجال لفرصة أخرى عسى أن تدركهم رحمة الهداية من جديد وكان معروفاً برحمته بهم ، فلم يتركهم كي لا ينزل بهم غضب الله سبحانه ، وهو ظاهر بعض عبارات الآيات كما في حديثه عن رغبته في عدم تفريق بني اسرائيل ، وهو الآخر تصرف لا يقدح بمقام عصمته أيضاً.
ويمكن تصوير تفاعلات حالة الغضب هذه بأنها كانت تستهدف إبراز حجم ما اقترفته أيدي متبعي العجل وتعظيمه في نفوسهم ، وهو أسلوب تربوي لا يكتفي بطرح الفكرة فحسب بل يستخدم وسائل تعبيرية لايصال معناها ، وهناك توجيهات متعددة للقصة وجميعها لا تقدح بالعصمة أبداً.
٤ ـ وهكذا صنف آخر من الآيات تحدث عن مقطع من الحدث ، وانتقل بصورة سريعة إلى حدث آخر ، كما هو حال الطبيعة الفنية التي حكمت المنهج القصصي القرآني ، مما دفع إلى التوهم بوحدة ما تحدّثت عنه الآيات ، لتفسر الحدثين بحدث واحد ، وبالتالي فقد جرها ذلك إلى التحدث عن خلل في سلوك الأنبياء عليهمالسلام ، كما نلمس ذلك في الآية الكريمة التي تحدثت عن يونس عليهالسلام : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (١) ، وفيها نرى ظاهر الآية وكأن مغاضبة يونس عليهالسلام كانت بسبب عدم إنزال البلاء والإلهي الذي وعد به على قومه ، وبذا كانت المغاضبة عصياناً لله سبحانه وتعالى وما إلى ذلك من تفسيرات تعج بها كتب القوم الروائية ، (٢) في الوقت الذي نجد فيه أن المغاضبة لا بد وأن تكون من جهتين ففيها غاضب ومغضوب منه ، وحيث لا يمكن القول بأنه عليهمالسلام كان مغاضباً لله ، ولا يمكن له أن يكون مغاضباً لنفسه بدليل انه فرّ إلى سفينة مشحونة ،
____________________
(١) الأنبياء : ٨٧.
(٢) انظر الدر المنثور ٣٣٢ : ٤ ـ ٣٣٣.