أسلوب مألوف من أساليب القصص القرآني ، وقد عكست هذه الصورة جملة من الأمور التي استغلها وضّاع الرواة والمشككون لأن يطلقوا العنان لشبهاتهم بالاعتماد على ذلك ، كما في قصة موسى وهارون عليهماالسلام في قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١) فهنا لم يفصح القرآن عن سبب أخذه لرأس أخيه إلاّ بأنه كان غاضباً ، مما سمح لبعضهم أن يطلقوا لمخيلاتهم العنان بصورة جعلتهم يتصورون أن الغضب كان من جراء فعل هارون ، فإن كان ذلك صحيحاً فإن الخطأ لا بد وأن يكون من أحدهما ، فإن كان هارون عليهالسلام مذنباً ، فالذنب ذنبه وهو نبي وبالتالي لا عصمة ، وإن كان الخطأ من موسى عليهالسلام فقد عاقب من لا ذنب له ، وهو أمر قادح بالعصمة قطعاً.
والحال إن هذا الأمر لو لوحظ من خلال تلك الضابطة العامة ، أو لوحظ من خلال كلمات هارون عليهالسلام وجب علينا تصور الموضوع بطريقة أخرى تختلف كلية عن ذلك التحليل ، إذ يمكن تصوّر الأمر وكأنه صورة من صور التعبير عن الأسف الشديد بحيث يجعل موسى عليهالسلام يجتذب رأس أخيه ، لا ليلومه أو يعاتبه ، فهو يعلم ان هارون عليهالسلام أبعد ما يكون عن أن يشترك بهذه الجريمة العظمى بحق دينه أو يتسامح بها ، وكيف يكون ذلك؟ وهو النبي المستوزر والمستخلف من قبله على القوم ، وإنما ليبدي حجم الأسف والغضب للذي فعلوه ، أو لربما ـ وهو محكي بعض الروايات ـ انه غضب على هارون عليهالسلام كما هو ظاهر الآية لأنه لم يغادر القوم مما يوحي برضاه ، وانه لو خرج منهم لنزل عليهم غضب الله سبحانه ، وكان معروفاً بشدة غضبه في ذات الله ، وهو غضب مبرر عليهالسلام لا يقدح بعصمته ،
____________________
(١) الأعراف : ١٥٠.