برسول الله! وبعد أن تحدّث القرآن كثيراً عن شخصيته بأبي وأمي العازفة عن الدنيا ، وشدة رغبته في ما أعده الله له في الآخرة ، مما لا يدع أي مجال للشك بأن الموت كان لديه بأبي وأمي حدثاً لا خشية منه ، وإنما بخاف منه من لا ثقة له بعمله ولا برحمة ربه ، وأين ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ بل لربما تكون رغبته في القتل أكبر من رغبته في الموت طريحاً على الفراش ، وهكذا الأمر في قصة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مع ابن أم مكتوم في الآيات الكريمة في بداية سورة عبس ، فقد اتهمت روايات العامة ، (١) ومن تابعهم عليها متلجلجاً من مفسري الشيعة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنه هو من عبس وتولّى بوجهه عن ابن أم مكتوم أثناء مجيئه وبجنبه بعض رجالات قريش ، فيما نرى القرآن الكريم الذي أطلق الكلام دون تشخيصه لهوية هذا الذي عبس وتولى ، يحدد في مواضع أخرى انصراف هذه الآية بعيداً عن شخصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مرة بحديثه عن شؤون هي من صلب وظائف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بحيث انه لو تركها يكون مخالفاً لنبوته كمسألة التزكية والإنذار وما إلى ذلك ، وثانية بوصفه للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بصفة صاحب الخلق العظيم والعبوس حالة منافية لذلك ، (٢) وأخرى بحديث الله مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بشأن مجالسة الفقراء كما في قوله عزّ وجلّ : (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣) مما يعطينا فهماً صريحاً في توجيه العبوس إلى مجالسي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لا إليه بأبي وأمي كما عمدت إليه تفاسير العامة ، (٤) وهكذا بقية الآيات المماثلة.
٣ ـ وهناك صنف آخر من الآيات تحدّث عن فعل معين من أفعال الأنبياء عليهمالسلام وغيرهم بصورة موجزة من دون أن يدخل في تفاصيلة ، وهو
____________________
(١) سنعود إلى الحديث عنها بشيء من التفصيل.
(٢) القلم : ٤.
(٣) الأنعام : ٥٢.
(٤) وسنعود لتفصيل الحديث في موضع آخر إن شاء الله تعالى.