٢ ـ وهناك صنف آخر من الآيات تحدّث عن قضية معينة في مكان وأوضح طبيعتها في مكان آخر ، أو تحدّث عن خصوص في مكان وعن عموم في آخر ، أو على العكس من ذلك ، فأخذها هؤلاء مفككة معزولة عن غيرها ، أو خفيت عليهم التعميمات أو التخصيصات ، فأودى بهم إلى تصويرها كآية تقدح بهذه العصمة ، في الوقت الذي نرى فيه تداعي هذه الشبهات بمجرد وصل الآيات ببعضها ، فقوله سبحانه وتعالى عن نبيه موسى عليهالسلام : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (١) لو أخذناه بلحاظ الآية الكريمة : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٢) علمنا طبيعة خوف موسى عليهالسلام ، خاصة وأنه لم يبد أي أثر من الخوف المرتبط بذاته أو عليها حين أرسل إلى فرعون وهامان رغم كل ما أعربت عنه الآيات من طغيانهما وبطشهما وتوعدهما موسى بالجزاء الشديد نتيجة لما أثار عليهم من أجواء فكرية وعقيدية لها أعمق الآثار على البينة السياسة التي يؤسسون عليها سلطنتهم ، وهو الأمر الذي ينسجم مع تلك الضابطة التي أشرنا إليها ، ويمكننا تلمس نفس الأمر في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٣) ، فقد اجتهد أهل التفسير على تصوير أن خشيته صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت من القتل ومن قريش (٤) ، في الوقت الذي تشير وقائع الآية إلى كون الآية قد نزلت في أواخر أيامه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بعد ان واجه كل طغيان قريش وحطم جبروتها ، وبعد أن أبرزت وقائع الأحداث أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ملاذ الأبطال لقول أمير المؤمنين عليهالسلام فيه : كنا إذا حمي الوطيس لذنا
____________________
(١) طه : ٦٧ ـ ٦٩.
(٢) الشعراء : ١٢.
(٣) المائدة : ٦٧.
(٤) انظر تفسير الطبري ١٩٩ : ٦ ، والدر المنثور ٢٩٨ : ٢ ـ ٢٩٩ ، وتفسير ابن كثير ٢ : ٨١.