بنجاة أهله ، واستثنى من ذلك من سبق عليه القول ، وفقاً لقوله تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (١) ، وقوله تعالى : (فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٢) ، وما يؤكد عدم علمه بحال ابنه مخاطبته إياه بالصعود معه في السفينة كما حكى القرآن (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) (٣) ، ولا معنى لطلبه من ابنه الصعود بعد أمر الله سبحانه له بعدم مخاطبته في شأن الظالمين ، ومعه يكون قوله تعالى عن استثناء الابن من النجاة هو إخبار محض لا ينطوي علىأي تكذيب ، وقد علل هذا الاستثناء بأنه كان على غير صلاح ، ويكون نداء نوح عليهالسلام استفهاماً ليس فيه أي تكذيب من جانبه لله في ما وعده به ، وكيف يمكن لنبي أن يكذّب الله في وعده؟!
وليس ثمة تشكيك من جانب نوح عليهالسلام بصدق الوعد الإلهي ، فلقد قرن بين سؤال النجاة لابنه ، وبين تصديقه الكامل بالوعد الرباني الحق ، ثم أعقبها بالقول بأن الله أحكم الحاكمين ، ليشير إلى تسليمه الكامل للارادة الربانية ، فالحكمة التي تعني وضع الشيء في موضعه ، تخبرنا بأنه كان مستسلماً لحقانية هذه الارادة ، ولكن رغبته في معرفة الذي حصل هي التي دفعته للتساؤل عن مصير ابنه ، مثله في ذلك مثل إبراهيم عليهالسلام الذي لم يمنعه إيمانه العميق من سؤال ربه كي يزيد من اطمئنان قلبه ، كما أوضحت الآية الكريمة : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٤).
____________________
(١) هود : ٤٠.
(٢) المؤمنون : ٢٧.
(٣) هود : ٤٢.
(٤) البقرة : ٢٦٠.