وعن الفضيل بن عياض في قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) أنه قال : فأوحى الله إليه : يا نوح إن سؤالك إيّاي ان ابني من أهلي ، عمل غير صالح. (١)
هذه هي أهم المحاور التي حاول القوم فيها أن ينالوا من عصمة سيدنا نوح عليهالسلام ، اضافة إلى ما يتداعى من طلبه للمغفرة ، ولا مغفرة إلا مع ذنب! ولكن كل ذلك لا حظ له في اسقاط أو مواجهة الضابطة التي عرفناها من قبل ، ومع لحاظ أن ما ذكروه من أقوال إنما هي في أحسن الصور اجتهادات من قبل رواتها ، هذا إن لم نقل بأنها تخرصات من بنات أفكار أناس لم يعوا من القرآن شيئاً ، وهي على أي حال لا ترقى لمجابهة نصوص تؤكد عصمة النبيين عليهمالسلام بشكل عام ، إلاّ اننا سوف نستفيد من المعطيات القرآنية في تفنيد هذه الشبهة.
ونلاحظ في البداية أن النبي نوحاً عليهالسلام هو صاحب الدعاء الذي ورد لفظه في الآية الكريمة : (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) (٢) ، وهذه الصيغة الجازمة تخبرنا بأنه عليهالسلام لم يستثن في دعائه أي أحد من الكافرين ، بغض النظر عن كون هؤلاء الكافرين من الأرحام أو من غيرهم ، قريبين أو بعيدين ، خاصة وأنه عليهالسلام كان قد تلقى أمراً إلهياً جازماً بعدم مخاطبته في شأن الظالمين ، كما حكت الآية الكريمة : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٣) ، كما وان صيغة سؤاله في نجاة ابنه تبدي انه لم يبال بالدعوة لنجاة امرأته التي كان يعلم بخيانتها له ، ممالأتها للقوم ، وبهذا نعلم أن دعاءه لابنه كان قد حصل لعدم علمه بحال ابنه ، فلقد وعده الله سبحانه
____________________
(١) الدر المنثور ٣٣٦ : ٣.
(٢) نوح : ٢٦ ـ ٢٧.
(٣) هود : ٣٧.