فإذا قلنا بأن هذه القابلية متعلّقة بنفس مادة العصمة دون اختصاص بالبشر ، فسنقول عندئذ بإمكانية أن تنطبق على غير البشر من سائر المخلوقات العاقلة وغيرها.
فإن قيل باستحالة ذلك.
قلنا : فإن السر يكمن في المخلوق العاقل.
وعندئذ سنتسائل عن سبب هذا الاختصاص ، فسيعزا ذلك إلى وجود خصوصية في هذا المخلوق تجعله قابلاً للعصمة ، مما سينحو بنا إلى التساؤل عن طبيعة هذه الخصوصية ، فإنها لن تخرج عن كونها إما : متعلّقة بمانح العصمة ؛ وإما بالممنوح له ، فإن مانت متعلّقة بالمانح ، قلنا : بأن المانح لم يعطها لجميع خلقه بل أوقفها على فئة محدودة من خلقه ، فما هو السر في ذلك : هل يعود لنقص في عدله وحاشاه من كل ذلك؟! أم يعود لقابليات المخلوق؟!
وسيقول بعض الحشوية : بأن لا علاقة لقابليات المخلوق ، ولا لنقص في عدل الله ، بل لأن أمراً خفياً تعلّق بالمسألة والله لا يسأل عما يفعل!!
ولكن الواقع القرآني لن ينفع هؤلاء بشيء فالله سبحانه وصف نفسه بأن له الحجة البالغة على خلقه : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) (١) وطبيعة الحجّة الكاملة تقتضي أنه سيحتجّ بحجة كاملة تخرس ألسن المحتجّين في أي مسألة سيحتجّون بها ، وهذا ما لا يتناسب مع منطق هؤلاء الحشوية ، مما يعيدنا إلى أول الكلام.
ولا مندوحة من رفض فكرة أن الله سيرجح وضع بعض عباده بلا وجود راجح في أنفسهم ، فهذا ما يتناقض مع فكرة العدل الإلهي التي توجب أن يتم الترجيح متلازماً مع وجود المرجّح أولاً ، لأن الترجيح بلا مرجّح
____________________
(١) الأنعام : ١٤٩.