الموضوعي بين الفاعل والقابل انسجام مادة الفعل مع طبيعة القابل ، لنستطيع من خلاله أن نتلمس «العلة الغائية» التي تشكّل مبرر الفعل في العلة الفاعلة ، حيث لا يمكننا أن نجرّد العلة الفاعلة عن أن تكون هادفة وساعية وراء غاية محددة في فعلها ، وهذه الغاية ستجعل الفاعل يطرح مادة فعله في ساحة تقبل هذا الفعل وتستوعبه ، فنحن نجرّد الذي يريد ان يرمي كل ما في دلو الماء في قدح صغير من العقلانية ، لسبب بسيط أن قدح الماء لا يمكن أن يستوعب كل ما في الدلو ، وأن أي عمل يخالف ذلك سننسبه إلى الخرق فوراً ، فهنا عزونا الخرق إلى الفاعل لأنه يطرح مادة فعله في ساحة لا تقبله كلاً أو جزءاً ، ولهذا جرّدنا غاية الفعل من العقلانية ، لأن الترابط ما بين الفاعل والقابل لم يكن موضوعياً ، ومن الطبيعي أن يتم التأكّد من أهلية مادة الفعل للتناغم مع طبيعة القابل ، فالحديث عن أن الله القادر على كل شيء لا يعني سؤاله أن يجمع ما بين الوجود والعدم وبين العدل والطلم وسائر المتناقضات حيث نعبّر عن ذلك بالمستحيل لا لنقص في قدرة الفاعل (سبحانه وتعالى) ، بل لعدم إمكان تحقيق الانسجام بين العلتين المادية والقابلية للنقص الذي فيهما.
ولو دخلنا في التفصيل فمن أول الأسئلة الملحة التي تواجهنا ستتعلق بالسبب الذي بموجبه يتفضّل الله بالعمصة على شخص دون آخر ، في الوقت الذي نعتقد فيه بأن الله عليم حكيم ، وكلا الصفتين تقتضي أن يكون عليماً بأن العصمة التي يريد أن يمنحها تنسجم مع الممنوحة له ، ولكن صفة الحكمة ستقتضي منه أن يكون عادلاً ، وعندئذ فإن الكلام سيتمحور في محورين :
فهو إما أن يجعل مادة العصمة قابلة لكل البشر دون استثناء ، وإما أن يجعلها مخصوصة بخواص.
فإذا ما جعلها قابلة لكل البشر ، فالتساؤل سيكون عن سبب هذه القابلية هل يعود لمادة العصمة نفسها؟ أم لقابلية البشر؟!