الطبيعي أن الأمر لو كان كذلك فسيكون الحديث عن عدم كمال الرسول صلىاللهعليهوآله المطلق أمراً لا مندوحة عنه. (١)
وهكذا ومن هذا المنطلق انطلقت الأفكار القائلة بالتفريق بين شخصيتين ، الأولى ما يعبر عنها بالرسولية وهذه قد حظيت بالعصمة الجبرية في موارد التبليغ ، وبين الثانية التي تتسم بالبشرية بكل ما حوت من أخطاء وجهل أو خلافها.
وما يعنينا من عموم هذه الأفكار هو معرفة واقع العصمة ضمن الهدي القرآني ومدى تلافي هذه الأفكار مع هذا الهدي في حال كان النقاش ضمن الدائرة الإسلامية العامة ، أما إذا كان الحديث موجّهاً في الدائرة الخاصة ـ هو الأكثر إلحاحاً ـ فإن المطلوب سيكون معرفة مقدار تناسب ذلك مع دليلية الواقع القرآني ومتطلبات أياته؟ وما هو مقدار الانسجام الذي سيحققه هذا الفكر مع النص المعصوم؟.
ولملاحظة هذا الموضوع يتوجّب علينا تارة أن ننظر إليه من خلال طبيعة «العلة الفاعلة» في موضوع العصمة ونعني بها الله (جلّت آياته وعظمت آلاؤه) حيث إن الله هو الذي منح هذه العصمة ، وأخرى من خلال مواصفات «العلة القابلة» ونعني بها المعصوم ، وثالثة من خلال «العلة المادية» للفعل وهي العصمة ، وسنجد ان البحث سيفرض علينا اكتشاف وجود الترابط
____________________
= المستزيد أن يرجع لكتابنا : لهذا كانت المواجهة : ٣١ ـ ٦٩.
(١)نلمس في أفكارها هذا التيار حديثاً موسعاً عن نفي الكمال عن الرسولية في الأمور التي تخرج عن دائرة التبليغ حيث يسجل داعية هذا التيار تحفّظه على : ما يفيض فيه الكثيرون من علماء الكلام ، عندما يتحدثون عن صفات النبي ـ أي نبي كان ـ فيوجبون له التفوّق في كل علم ، وفي كل صفة ذاتية على أساس القاعدة العقلية المعروفة لديهم ، وهي قبح قيادة المفضول للفاضل. أنظر : محمد حسين فضل الله في مقال : السيرة النبوية في حركة القرآن والواقع المعاصر ؛ مجلة المعارج ؛ العدد : ٢٨ ـ ٣١ ص ٦٥٥.