في البيت بعد أن أحسن إليه ، وعلى أي حال فهناك أكثر من مناقشة على هذا الصعيد سنكتفي ببعضها في هذا المجال بما يلي :
وأول هذه المناقشات تتعلق بطبيعة الشاهد الذي يستطيع أن يوفره فضل الله كي يفسر الهمّ اليوسف بهمّ الزنا أو بتعبيره : (أراد أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه) فمحض تشابه مادة الفعل لا يدل على التشابه في هويته ، فكلاهما همّ بالآخر ، ولكن ما هو الدليل على إن مراد همّه قد تشابه مع مراد همّها ، فها هو القرآن يقدم أدلة كثيرة على طبيعة همّها به ، ولكن كل الدلائل القرآنية المقدمة لا تتحدث ولا بأي شكل من الأشكال عن أن همه كان همّ الزنا ، بل يمكن الجزم على إن الدليل القرآني استبعد هموم البغي جميعاً عنه ، فناهيك عن إن المتحدث عنه كان من الأنبياء الذين حرص القرآن على وصفهم بمنتهى أوصاف التبجيل والتعظيم ، فقد حفل على التأكيد على براءته بالكامل وقدم أدلة متعددة على ذلك ، ولا أوضح من الصورة التي يضع القرآن فيها أجواء هذه القصة ، فلقد قدمت ضمن أجواء ترغيبية ضخمة للاطلاع على القصة كما يتجلى ذلك بقوله تعالى وهو في مفترق الطرق الحاسمة إلى متون القصة : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ) ، ولا تتقدم القصة بضع فقرات حتى يأتي وصف لكونه ممن علّمته السماء تأويل الأحاديث ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ، ولتعقبها مباشرة الحديث عن ارتقائه لمرتبة من يوحى إليه ( وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وهي مرتبة تؤذن بكمال مؤهلاته الروحية ، ثم عاد القرآن لوصف كماله الروحي هذا والذي لم يتوقف عند قيامه بأعباء الحكم والعلم لتتجاوزه إلى الحديث عن صبره بما وصفته بأنه من المحسنين ( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وقد جاءت قصة مراودة امرأة العزيز له بعد