عن الأخرى ، حيث يمكن أن نرى صورة لها في اللسان فقط ، فيما يمكن أن نرى صورة أخرى لها تدخل حتى أعماق اللاوعي في الذات ، مما يعني أن حالة التفاصل السامية هي التي تجعل من الذات والرسالة في صورتها المثلى متلاحمين بحيث تفنى الذات في كل ما له علاقة بهذا الود والبغض وفق ما تصوّره الآية القرآنية : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (١)
وتقدم لنا صور المطالبة الرسالية بالصبر تجاه البلايا والرزايا اللاحقة في عرض الحياة لتجمع ما بين الدوائر الثلاث (الرسالة والذات والموضوع الخارجي) والمتمثلة بقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). (٢) وكذا قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (٣) صورة اخرى عن طبيعة التلاحم بين المطلوب الرسالي والجهد الذاتي المنفصل عن أحكام الكليف والتشريع بعنوانه حلالاً وحراماً لا دخل له بدائره الكمال ، إذ من المعلوم أن صورة ظاهرية محددة في سقف واحد في الصبر لا وجود لها ، فأي شيء هو المطلوب رسالياً حتى نفرّق بين الرسالة والذات؟ فإن قيل ثمة حدود ، فلا معنى معه للقول بوجود تفاضل بين صابر وآخر ، لأن الزائد في تخطّي الحد كالناقص ، وإن قلنا ليس ثمة حدود ، عندئذ لا مجال للقول بالانفصال بين الذات والرسالة خصوصاً وأن الحديث هنا عن ذات المعصوم عليهالسلام التي رأت من آيات اللطف الإلهي واطلعت على حقائق الوجود ما يجعلها تتولّه في حب الله ، ومن طبيعة الواله أن يسعى لإرضاء محبوبه بكل ما يمكن له أن يرضيه.
____________________
(١) المائدة : ٥٤.
(٢) البقرة : ١٥٥.
(٣) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : ٣١.