ولا يعقل أيضاً أن رسولاً يأتي بتبليغ رسالة وهو لا يعرف أسرارها ، وحتى لو افترضنا ـ على طريقة فرض المحال ليس بمحال ـ أن مقدار ما تعلّمه المعصوم عليهالسلام من هذه الأسرار كان مقداراً يسيراً ، فيا ترى لو تحدّث بهذا المقدار اليسير ، هل سنأخذه على أساس أنه موضوعاً رسالياً أم انه موضوعاً خارجياً؟!.
فإن قلنا بالرسالية فقد أدخلنا ما هو خارج عنها فأي علاقة للحديث عن أسرار الطبيعة بصورتها الكونية البحتة بالرسالة طالما أن القرآن قد تحدّث عنها بنحو مجمل جداً؟!
وإن قلنا بالخارجية فإما أن نقول إن من واجب المعصوم عليهالسلام أن يتحدّث عنها فقد قلنا عندئذ بوجوب اطلاعه على الموضوعات الخارجية ولو بهذا المقدار ، ومعه نكون قد أدخلنا ما هو خارجي بما هو رسالي ، أو أن نقول بعدم الوجوب فقد قلنا بعدم وجوب التبليغ على المعصوم عليهالسلام لكون هذه الأمور قد وردت في القرآن الكريم.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فنحن نعرف أن القرآن الكريم قد تحدّث عن عبادات يمكن أن نسميها بالوجدانية ، وهذه ليس بالضرورة أن تتخذ صورة ظاهرية وتتجسّد بعمل مادي محدد ، كما اننا لا نلمس لسقفها حدوداً عليا ، كما انه لا قعر لحدودها المتدنية ، فحديثه مثلاً عن الود في الله والبغض في الله ، كما في قوله تعالى : (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) لا وجود ظاهري لأحكامه الشرعية ، فأي مقدار هذا الود ، وأي مقدار ذلك البغض؟ فهذه من الأمور التي ترتبط بالذات بصورة قد تختلف
____________________
(١) المجادلة : ٢٢.