العصمة بالوحي في فكره رضوان الله تعالى عليه.
وقد أبرز البغدادي في موضع آخر من كتابه طبيعة عقيدته في العصمة والتي زعم أنها عقيدة الفرقة الناجية فقال : وقالوا (أي أهل السنة والجماعة) بعصمة الأنبياء عن الذنوب ، وتألّوا ما روي عنهم من زلّاتهم على إنها كانت قبل النبوة! على خلاف قول من أجاز عليهم الصغائر ، وخلاف قول الهشامية من الروافض الذين أجازوا عليهم الذنوب مع قولهم بعصمة الإمام من الذنوب. (١)
وكلامه متناقض مع الواقع في أكثر من جهة ، فلو رجعنا إلى أحاديث البخاري وغيرها من كتب الصحاح عند أهل السنة لوجدناها مليئة بالقادح بعصمة الأنبياء بعد نبوتهم ، فضلاً عما سبقها ، والكثير من أهل السنة يعتقد بإمكان وقوع الصغائر من الأنبياء قبل النبوة وبعدها كما رأينا من قبل ، بل مع الملاحظة السابقة عن كتب الصحاح فإننا نجد أن أهل السنة يرون في هذه الأخطاء ما يدخل حتى في دائرة التبليغ كما في قصة الغرانيق وفي غيرها.
وحديثه عن أن أهل السّنة تألّوا زلات الأنبياء بمرحلة ما قبل النبوة فهو متهافت ، فلزلة كما نتعرف عليها في علم الأخلاق هي نمط من أنماط الشرك بالله والظلم ، وهي النصياع بصورة ما لوساوس ونزغات الشيطان ، وهو ما يمتنع وقوعه في دائرة النبوة ، فلا يعقل أن يصطفي الله من أوليائه من لم يصفي نفسه لله ، ومن لم تكن لديه قابلية لهذا الاصطفاء ، والحديث عن خضوع الأنبياء لنزغات الشيطان يكذّبه القرآن الذي يقرر أن سلطة الشيطان لا تنفذ على أولياء الله تعالى كما تقدمت الإشارة إليه مراراً ، كما إن الله سبحانه وتعالى أكّد إن عهده لا يناله من يقارف الظلم مهما بدت صور هذا الظلم ضئيلة ، وفق ما أشارت إليه الآية الكريمة : (لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ) (٢).
____________________
(١) الفرق بين الفرق : ٢٦٥.
(٢) البقرة : ١٢٤.