ما ورد في كتب هشام بن الحكم وما نقل عنه ، وكلامه عن تفكير الإمامية لهشام عار عن الصحة مطلقاً لعدم صحة نقله عنه وعن عدم صحة استدلاله عليه أيضاً ، ففي حديث لهشام نقلناه في أبحاث سابقة ، يبرز هشام العصمة وفكرها بشكل مترابط بنفس المعصوم وملكاته ومواصفاته الذاتية ، ولا يربطها بالوحي ، فيحتاجها الإمام لعدم نزول الوحي عليه ، ولا يحتاجها النبي لنزول الوحي عليه! فذلك تبرير أخرق ، فالعصمة في نظر هشام بن الحكم هي عملية تلاقي ما بين سمو الذات وبين مزايا منازل الرقي والكمال التي أعدها الله سبحانه وتعالى لخاصة أوليائه وعباده ، ففي نظر هشام تعود جميع الذنوب لأربعة أوجه لا خامس لها : الحرص والحسد والغضب والشهوة ، فهذه منفية عن المعصوم ، نبياً كان أو إماماً ، لأنه : يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمة ، لأنه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسوداً لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه ، وليس فوقه أحد فكيف يحسد من هو دونه ، ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عزّ وجلّ فإن الله عزّوجلّ قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم. ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عزّ وجلّ ، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لأن الله عزّ وجلّ حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا ، فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح ، وطعاماً طيباً لطعام مر ، وثوباً ليناً لثوب خشن ، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟! (١)
ومع ارتباط معايير هذه المواصفات بالملاكات الذاتية للإنسان ، فإنه يلمس معها هراء ما ادعاه البغدادي ومن قبله الأشعري بالفصل بين عصمة النبي والإمام فهي في فكر هشام واحدة ، ومعه فلا قيمة بدعواهما بارتباط
____________________
(١) انظر : الخصال ٢١٥ ب ٤ ح ٣٦.