ظاهرها ، وهذه الأنظمة ترتبط بالعناصر الداخلية التي تشترك في تكوين المحتوى الداخلي للإنسان ، وبالتالي فإن هذه الأنظمة هلي التي تعلب الدور الأساس في تكوين بواعث الارادة عند الإنسان وتحديد اتجاهاتها من حيث التحفيز والاحباط ، ومن حيث الفعل والرتداده ، إذ سنجد الحديث القرآني عن هذه الأنظمة يرتبط بحيوية خاصة تخلتف كلية عن أنظمة الحواس المادية ، فهناك قلب مقفل أو قاس أو عكسه ، وهناك أذن واعية ، وثمة بصائر ترى ، وهناك رؤية لأمور لا تنظر إليها العين المجردة ، ولكن هذه القسوة أو عكسها وهذا الوعي وتلك الرؤية غير تلك التي نلمسها في حواسنا المادية ، وبالجملة ترينا الآية الكريمة : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (١) طبيعة عمل هذه الأنظمة الداخلية ، فهناك قلب وعين وأذان ليست هي ما نراه في حواسنا المادية ، وفي عقيدتنا فإن هذه الأنظمة هي التي تشكل الأرضية التي تعمل بها عناصر التقوى والفجور التي جبلت عليها الطبيعة الإنسانية وفق ما أشارت إليه الآيات الكريمة المتقدمة من سورة الشمس ، وعليه فإن دراسة الكيفية التي تتشكّل بها العصمة يجب أن ينطلق من دراسة هذه الأرضية لا من سواها ، ومن حسن الحظ أن القرآن حوى في متنه الشريف الكثير من الأضواء اللازمة للكشف عن طبيعة تشكلات هذه الأنظمة وطبيعة مساراتها.
وهنا نلحظ في البداية التمييز بين البنية المعنوية للمتقين وهم الذين غلّبوا عنصر التقوى ، وبين بنية الفجار (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٢) والسؤال التلقائي الذي يفرض نفسه هو : ما هي حقيقة هذا الجعل؟! وما هي ملازماته؟! وهل هو بوتيرة
____________________
(١) الأعراف : ١٧٩.
(٢) سورة ص : ٢٨.