واحدة؟! أم له سلم موضوعي يتفاضل به متق على آخر ، ويتسافل به فاجر عن ثان؟!
ولعل الآية الكريمة : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (١) تجيبنا على بعض ما نريده هنا ، حيث جعلت اجتراح السيئات وما يعاكسه مجالاً للتفريق بين البنيتين ، وهذا التفريق لا تفرد لعالم الآخرة به دون عالم الدنيا كما يتوهم الكثير من الناس ، بل هو تفريق موضوعي في الحياة الدنيا قبل عالم الآخرة كما يتضح من ذيل الآية الشريف ، ولكن كيف؟!
ومحصل هذا التفريق نلحظه في مصاديق هذا الجعل ، فقد تحدث القرآن الكريم عن جعلين ، خصص الأول منهما للفجار وذلك وفق قوله تعالى : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (٢) وقوله تعالى : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) (٣) ، فيما خصص الثاني منهما للمتقين ، كما نلمس في قوله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وكذا قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (٤) ، وهذا الجعل بمثابة سنة تكوينية صارمة في هذه المسارات ، وهو في صورتيه أشبه ما يكون ببوابة ثابتة على الطريق ، فمن يجترح السيئات فإن الرجس الذي يعلو القلوب ليلحق بها العمى هو البوابة التي لا بد من ولوجها على طريق ارتكاب السيئات والآثام ، ومن يتق الله فإن التوفيق الإلهي في تيسير الأمور كل الأمور ، وإيتاءه سبل الخروج من المعضلات هو الآخر بوابة يدخلها المتقي تلقائياً في هذا الطريق.
____________________
(١) الجاثية : ٢١.
(٢) الانعام : ١٢٥.
(٣) يونس : ١٠٠.
(٤) الطلاق ٢ و ٤.