فإنه يقضي : بوجود المسخّر الإنساني الشامل الذي يكون مصداقاً إنسايناً لبقية الخلق بإمكانية التسخير من جهة ، وحجة على عالم التكليف بواقعية النعمة الربانية الشاملة التي لا تحصى من جهة ثانية. (١)
وهذا بدوره يقضي بضرورة أن يكون هذا المسخّر الإنساني معصوماً لخصيصتين ، أولاهما تتعلق بالشرط الإلهي الظاهر في آخر الآية وهو أن يكون بعيداً عن الظلم والكفر ، وثانيتهما : لكي لا تخرج عملية التسخير عن أهدافها الربانية ، لما يمكن لهذا الخروج أن يتسبب بدمار الكون ، مما سيوصلنا إلى نفس النتيجة التي حصلنا عليها في مسألة الامانة ، حيث سترتبط عملية التسخير بطبيعة المؤهل الذاتي المعصوم من الظلم والكفر الذي يتمتع به هذا المصداق الإنساني.
* * *
إن هذه الأنماط من العصمة التي قد تتداخل بعض مفرداتها ببعض من حيث التبعية ، (٢) والتي لم نجتهد في استقصاء كل ما ذكره القرآن الكريم في هذا المجال ؛ تظهر سذاجة المتحدّثين بجزئيتها وشمولها لبعص مناحي عمل المعصوم عليهالسلام وعلمه دون مناح أخرى ، فنحن لو جمعنا هذه الحدود ضمن دائرة واحدة لرأينا ان هذه الدائرة أوسع بكثير من أن تنحصر بدائرة التبليغ أو دائرة الكبائر أو دائرة اليقظة لتذر ما عداها خارج دائرة العصمة كما يشترط ذلك بعض المتكلّمين من مدارس العامة ، بل نجدها تشمل كل مساحة النشاط الإنساني ، خاصة إذا ما ربطنا كل ما ذكرناه ، مع ما توصّلنا إليه في الفصل الأول من هذا الكتاب حيث عرفنا كيف تتداخل ذات
____________________
(١) الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس : ١٨٧ ـ ١٨٨.
(٢) من الناحية الموضوعية فإن عصمة الولاية تشمل عصمة القضاء ، وعصمة الأمانة تشمل عصمة التسخير ، وإنما فصلنا بينهما لدواعي الإيضاح.