إلى الآخر : أحدهما لازم عقلي ، والآخر لازم قرآني ، هذا في حال استبعادنا لما يلزمنا به الحديث النبوي الصحيح ، (١) فأما اللازم العقلي فمبني على إن الهدف الربّاني وهو تعبيد الخلق إليه قائم على طرفين متلازمين لا يغني أحدهما عن الآخر :
أولهما : الكتاب الإلهي المرسل.
وثانيهما : الجهة التي تعمل على تفسير وتوضيح هذا الكتاب ، وتعنى بإجرائه وتشرف عليه ، وتسهر على العمل بمقتضياته وما يترتب على ذلك ، بحيث تكون هذه الجهة هي الحجة في مابين الخالق وعباده ؛ مرة على الكتاب ، وأخرى على إمكانية تطبيقه ، ومن دون ذلك فالاحتجاج بعدم وضوح الحجة الربانية ، ودعوى عدم إمكان تطبيقها يبقى قائماً.
كما إن خلو ساحة الخلق من النموذج الأسوة يمثل في أحد جوانبه التكليف بما لا يطاق ، فالعملية التربوبية ليست قراراً يصدر ، وعلى الجميع تنفيذه ، بل هي عملية هداية تحتاج إلى من يحمل النور الإلهي ليدلّ الخلق عليه.
وهذه الحقيقة هي التي استدعت أن يتصاحب الكتاب المُرسَل والنبي الحامل له دائماً ، وهي التي منعت من أن تنزل الملائكة لتبلّغ الخلق بالإرادة التشريعية للرب المعبود.
ومن الطبيعي بمكان أن نتساءل عن كيفية تحقيق متطلبات هذا الهدف
____________________
(١) لم نستبعد هذا اللازم المبني على الحديث النبوي الصحيح والمتواتر لعدم أهميته والعياذ بالله ، بل استبعدناه لأغراض إلقاء الحجة القاطعة بعيداً عمّا تسببه العصبية الطائفية في هذا المجال من إرباك متعمّد للأخذ بسنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث ترينا هذه العصبية من التمحّلات العجيبة سواء على مستوى الجزافية في قبول الأحاديث وردّها ، أو على مستوى تأويل الحديث عند الكتّاب والمصنّفين ما يذهل له عقل الأريب! على إننا سنعود إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى.