إلى تفحّص مؤهلاته من حيث الصدق والكذب ومن حيث الانسجام الكامل مع الرسالة ، فإن قلنا بإمكانية كذبه وعدم انسجامه مع الرسالة عدنا إلى ما كنّا قد انتهينا منه من القول بضرورة تلازم التبليغ الرسالي مع صدق المبلّغ وانسجامه مع رسالته ، فإن احتاج الرسول إلى العصمة للضرورة كان هذا الآخر محتاج هو أيضاً إليها لنفس الضرورة.
وهذا الحال هو ما يدلّنا عليه نفس اللازم القرآني ، وذلك لأنه دلّ في كل مرة تحدّث فيه عن دور النبي الرسالي على وجود تابع له نفس مواصفاته ، تمتد به مسيرة الرسالة ، فحينما طرح القرآن أمر إكمال الدين وإتمام النعمة ويأس الكفر من إلحاق الأذى والضرّ بالدين في قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً) (١) لا بد لنا في البداية أن نتساءل عن طبيعة الحدث الذي حدث بالشكل الذي عبّر فيه الله سبحانه وتعالى بهذه القاطعية عن تمام الدين وإكمال النعمة ويأس الكافرين ، وهو حدث ليس من السهل الذي يمكن لنا أن نستهين به ، فنمرّ عليه مرور الكرام ، أو يمكن أن يستهين به الله جلّ وعلا ، فلا يعرضه في قرآنه الكريم. كيف لا؟ وقد علّق كل مهمة الهداية الربّانية به ، ولهذا فلا بد لنا أن نبحث عن معادل له نفس القيمة في هذه المهمة.
وفي الواقع فإن المرء لا يجد ما يمكن أن يحلّ به هذا اللغز بقدر هذه الآية الكريمة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (٢) ففي هذه الآية تجد أن الله قد رهن كل عملية التبليغ الرسالية بحدث معيّن ، بمعنى أن حدوثه سيؤدي إلى إتمام أغراض هذه العملية ، وما من ريب أن إتمامها هو
____________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) المائدة : ٦٧.