وما ذكر من الفرق بين الصورتين في صحّة (١) الرجوع إلى الأمرين نظرا إلى عدم جواز البناء عليهما من دون الفحص في اثبات أصل الحكم ، لا يقضي بخروجه عنها ؛ إذ غاية الأمر تقييده لما دلّ على وجوب بذل الوسع على المجتهد بما يعدّ بذل الوسع لا بخروجه عن كلا التقديرين.
ولتحقيق الكلام فيه مقام آخر.
وما يقال : من أنّ قضية أخبار الكرّ كون الكرّية شرطا للاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة ، ومن المعلوم أنّها صفة وجوديّة ، فمع الشكّ في حصولها لا بدّ من نفيها بالأصل ويتبعه القول بالانفعال ، فقضية الأصل فيه على العكس ؛ فاسد إذ ذاك إنّما يتمّ مع العلم بمقدار الكرّ والشكّ في حصوله ؛ إذ الأصل فيه حينئذ عدم وصوله إلى ذلك المقدار.
وأمّا إذا تعلّق الشكّ بأصل مقداره فلا معنى لأصالة عدم كونه كرّا ؛ إذ من الواضح للأصل المذكور لموضوعات الألفاظ ومستعملاتها وتعيين المراد من المجملات (٢). فغاية الأمر هو التوقّف ، ومعه يقدّم (٣) للأصل المتقدّم حجّة على الطهارة.
وما يجاب عن الإيراد المذكور من أنّه كما يقال (٤) بكون الكرّية شرطا للاعتصام بمقتضى منطوق روايات الكرّ كذا نقول بكون القلّة شرطا لانفعاله بمقتضى المفهوم فكما أنّ الشكّ في الشرط يوجب (٥) الشكّ في المشروط في الأوّل فكذا في الثاني.
وحينئذ فالمرجع بعد تعارض الأصلين المذكورين إلى أصالة الطهارة في الماء المستفادة من العمومات وأصالة براءة الذمّة عن وجوب الاجتناب.
ويضعّفه أنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان كلّ من الشرطين المذكورين وجوديّا ، وأمّا (٦) مع كون
__________________
(١) لم ترد في ( د ) : « في صحّة الرجوع إلى الأمرين ».
(٢) في ( د ) : « المحتملات ».
(٣) في ( د ) : « يقوم الأصل » ، بدل : « يقدّم للأصل ».
(٤) في ( ج ) : « يوهم ».
(٥) لم ترد في ( ج ) : « يوجب الشكّ في المشروط ».
(٦) لم يرد في ( ب ) : « وأمّا .. وجوديّا ».