احتمال الوجوب بالأصل المذكور إلى مسألة الدوران بين الإباحة والتحريم ، وقد تقدّم أنّ الأصل فيها الإباحة.
نعم إنّما يصلح كون الخلّ المشتبه بالخمر من أمثلة ما نحن فيه لو فرض وقوع الحلف على شرب نوع الخلّ المستلزم لوجوب شرب جميع أفراده في محلّ الابتلاء ، ولكنّه فرض بعيد.
وكيف كان فأمّا الحكم في ذلك فهو البراءة وخلوّ ذمّة المكلّف عن حكم إلزامي إيجابا أو تحريما ، فيجوز كلّ من الارتكاب والاجتناب ، على معنى عدم الحرج في شيء منهما ، للعقل المستقلّ الحاكم بقبح العقاب والمؤاخذة على مخالفة ما لا سبيل إلى معرفته ولا إلى امتثاله ، فلا يصحّ للشارع أن يؤاخذ على الفعل ، بأن يقول : لم ارتكبت وقد كان حراما؟ ولا على الترك بأن يقول : لم تركته وقد كان واجبا؟ لصحّة الاعتذار بعدم معرفة الحرمة ولا الوجوب ، ولا أن يؤاخذه على عدم مراعاة الاحتياط في امتثال الحكم الإلزامي لتعذّره ، ولا أن يحتجّ عليه بحجّية العلم الإجمالي ، لتمكنّه من ردّه بأنّ الحجّية إن اريد بها الموافقة القطعيّة فهي متعذّرة ، وإن اريد بها عدم المخالفة القطعيّة فالالتزاميّة منها على تقدير وجوب الالتزام بحكم الله الفرعي غير حاصلة في الواقعة الشخصيّة ، لحصول الالتزام بحكم كلّ من الواقعتين الكليّنين ، والعمليّة منها غير قادحة لعدم توجّه الخطاب في تلك الواقعة بالفرض ، مع أنّها غير لازمة أيضا لعدم القطع عند التلبّس بكلّ من الفعل والترك بكون ما يتلبّس به مخالفة.
نعم إذا تلبّس بأحدهما بعد التلبّس بالآخر يحصل القطع بتحقّق مخالفة فيما بينهما ، ولا قبح في نحو هذه المخالفة عقلا ولا شرعا.
ولا يذهب عليك أنّ إثبات أصل البراءة هنا بهذا الحكم العقلي مقصور على صورة تعذّر رفع الاشتباه بالفحص أو السؤال والرجوع إلى أهل الخبرة ، لأنّ مناطه عدم السبيل إلى معرفة الحكم وإلى امتثاله ، وعليه فيصحّ المؤاخذة على ترك السؤال ، ويشكل الأمر بالقياس إلى ما سيأتي من عدم وجوب الفحص في العمل بأصل البراءة في الموضوعات وما نحن فيه منها ، فلا بدّ للعمل به فيه مع إمكان الفحص والسؤال من مدرك آخر غير العقل ، ولا يبعد التمسّك بعموم قوله عليهالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو حلال لك حتّى تعرف الحرام منه بعينه (١) » وقوله عليهالسلام أيضا : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه » (٢) وأمّا
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.
(٢) الوسائل ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٤ مع تفاوت.