العنوانين لا تقدح في توجّه الخطاب ، فيقطع بتوجّه أحد الخطابين من قوله : « اجتنب عن الخمر » وقوله : « اجتنب عن المغصوب » وهذا الاعتبار منتف فيما نحن فيه ، إذ لا يعلم كون هذا نجسا ولا كون ذاك متنجّسا. فالخطاب المفروض توجّهه إن اريد به قوله : « اجتنب عن النجس » فالنجس غير معلوم تفصيلا ولا إجمالا ، وإن اريد به قوله : « اجتنب عن المتنجّس » فالمتنجّس غير معلوم تفصيلا ولا إجمالا ، فيجري في كلّ بحسبه الأصل الشرعي ، وهو في كلّ منهما سليم عن معارضة العلم الإجمالي ، كما في مسألة واجدي المنيّ في الثوب المشترك حيث إنّ كلاّ منهما يرجع إلى الأصل المعوّل عليه في حقّه ، لسلامته عن معارضة العلم الإجمالي.
ومقايسة ما نحن فيه على ما ذكر من دوران إنائين بين كون هذا خمرا وذاك خلاّ أو ذاك بولا وهذا ماء باطلة ، لمنع الحكم في المقيس عليه ، إذ لا يعلم كون هذا فردا من الخمر ولا ذاك فردا من البول ، فيعود الشكّ في كلّ منهما إلى كونه في التكليف ، فيرجع إلى الأصل الجاري فيه ، لسلامته عن مزاحمة العلم الإجمالي بتوجّه الخطاب وتنجّز التكليف بالاجتناب.
وهذا غير بعيد ، لكنّ الأوجه هو الأوّل ، لأنّ فرض عود الشكّ إليه في التكليف إنّما هو إذا أخذ كلّ منهما بانفراده ، وأمّا مع انضمام أحدهما إلى الآخر فيقطع بتوجّه خطاب مردّد بين كونه أمرا بالاجتناب عن النجس أو أمرا بالاجتناب عن المتنجّس ، وفي المقيس عليه بين كونه أمرا بالاجتناب عن الخمر أو أمرا بالاجتناب عن البول.
وأيّا ما كان فهو من الشكّ في المكلّف به بعد اليقين بالتكليف.
رابعها : إذا لاقى أحد المشتبهين طاهرا والمشتبه الآخر طاهرا آخر ، فانصبّ أو فقد أحد الأصلين ، فهل يجب الاجتناب عن الملاقيين مطلقا ، أو لا مطلقا ، أو يفرّق بين سبق العلم بنجاسة أحد الأصلين على تعذّر المتعذّر منهما وعدمه ، فعلى الأوّل يجب اجتناب الملاقيين وعلى الثاني لا يجب ، أو يعكس الأمر بوجوب اجتنابهما على الثاني دون الأوّل؟ وجوه :
من أنّ الطاهرين بملاقاتهما المشتبهين على الوجه المذكور صارا واقعة اخرى من الشبهة المحصورة ، تحقّق فيها العلم الإجمالي الكافي في تنجّز التكليف وتوجّه الخطاب بالاجتناب ، كما أنّ الأصلين قبل تعذّر أحدهما كانا واقعة منها مع كون المعلوم بالإجمال فيها النجس الواقعي وفي الاخرى المتنجّس الواقعي ، وكما أنّ الاجتناب عن النجس الواقعي كان واجبا ولا يتمّ إلاّ باجتناب الأصلين ، فكذلك الاجتناب عن المتنجّس الواقعي