كان دائرا بين اثنين وبعده صار دائرا بين ثلاث ، نظير ما لو دخلهما طاهر آخر من غير ملاقاة لأحدهما فاشتبه بهما ، وظاهر أنّ يقين الخروج عن عهدة الخطاب بالاجتناب عن المعلوم بالإجمال لا يتمّ إلاّ باجتناب الجميع.
ثانيها : إذا لاقى طاهر أحد المشتبهين وآخر المشتبه الآخر وجب اجتنابهما أيضا كأصلهما ، لتحقّق علم إجمالي آخر فيهما.
غاية الأمر كون متعلّقه هنا المتنجّس وثمّة النجس ، وكما يتوجّه الخطاب بالاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال ولا يتمّ إلاّ باجتناب الأصلين معا. فكذلك يتوجّه الخطاب بالاجتناب عن المتنجّس المعلوم بالإجمال ، ولا يتمّ إلاّ باجتناب الملاقيين معا.
ثالثها : إذا لاقى طاهر أحد المشتبهين ثمّ انصبّ المشتبه الملاقى أو فقد أو تعذّر ارتكابه فهل يقوم الملاقي مقام المشتبه الملاقى المفقود في وجوب اجتنابه مع المشتبه الباقي ، أو هو على حكمه الأوّل من جواز ارتكابه؟ وجهان : من أنّ المفقود إن كان هو الطاهر الواقعي فالمشتبه الباقي نجس ، وإن كان هو النجس الواقعي فالملاقي متنجّس ، فهو مع المشتبه الباقي دائران بين كونه متنجّسا والمشتبه الباقي طاهرا ، أو كونه طاهرا والمشتبه الباقي نجسا ، فالعلم الإجمالي حاصل ، والمعلوم مردّد بين كونه نجسا أو متنجّسا ، فيتوجّه الخطاب بالاجتناب واشتبه متعلّقه بكونه اجتناب النجس أو اجتناب المتنجّس. وهذا نظير إنائين دائرين بين كون هذا خمر أو ذاك خلاّ أو كون ذاك بولا وهذا ماء ، حيث إنّ الخطاب بالاجتناب متوجّه وهو مردّد بين كونه « اجتنب عن الخمر » أو كونه « اجتنب عن البول » ففيما نحن فيه أيضا كان الخطاب المعلوم توجّهه مردّدا بين قوله : « اجتنب عن النجس » وقوله : « اجتنب عن المتنجّس » ولا يتمّ يقين الخروج عن عهدته إلاّ باجتناب الجميع.
ومن أنّ الأصل الجاري فيه قبل الفقدان على حاله ، وهو يقتضي الجواز. ودعوى معارضته بأصالة الطهارة في المشتبه الباقي ، مدفوعة : بأنّ تعارض الأصلين ليس معناه فيما نحن فيه تنافي مدلوليهما ، إذ لا تنافي بين طهارة كلّ من الإنائين ، وإنّما لا يمكن العمل بهما فيما تقدّم لمنع العلم الإجمالي ، وإنّما يمنع حيث توجّه معه الخطاب بالاجتناب. وإنّما يكون كذلك إذا علم بكون أحد الإنائين فردا من محرّم واقعي منهيّ عنه وإن جهل عنوانه ، كما لو اشتبه الإناءان بين كون أحدهما خلاّ والآخر إمّا خمرا أو مغصوبا ، فكون ذلك فردا من محرّم واقعي معلوم وعنوانه مجهول ، وجهالة العنوان بعد العلم بفرديّة أحدهما لأحد