ومن الموافقة الاحتماليّة تقديم ما كان احتمال الموافقة فيه أقوى ، وهذا أصل عقلي ورد على طبقه الشرع كما في مسألة اشتباه القبلة بين الجهات الأربع ، ولذا لو تعذّر الصلاة إلى بعضها لم يلزم منه سقوط الباقي.
وإن شئت قلت : إنّ قضيّة حجّيّة العلم الإجمالي وتنجّز التكليف به حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة ، فإذا سقط الثاني بطروّ الاضطرار إلى ترك بعض المقدّمات المتوقّف عليها الموافقة القطعيّة لم يلزم منه سقوط الأوّل.
ويشكل : بأنّ الاضطرار على الحرام كما أنّه يمنع من التكليف باجتنابه فكذلك يرفعه ، ولذا لو طرأ الاضطرار إلى الحرام المعلوم بالتفصيل جاز ارتكابه ، وقضيّة ذلك انقلاب الشكّ في المكلّف به بعد طروّ الاضطرار إلى بعض معيّن إلى الشكّ في التكليف.
فالعلم الإجمالي في هذه الصورة أيضا جامعة جهة اخرى موجبة للشكّ في التكليف كما في الصورة السابقة غاية الأمر أنّها في السابقة أوجبت الشكّ في حدوث التكليف وهاهنا في بقائه ، فوجب أن لا يفرّق بين الصورتين في جواز ارتكاب البعض الغير المضطرّ إليه وعدم وجوب اجتنابه ، إلاّ أن يتشبّث في الصورة الثانية باستصحاب وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي السابق على طروّ الاضطرار ، فإنّ الشكّ في كون المضطرّ إليه هو الحرام الواقعي في هذه الواقعة يوجب الشكّ في سقوط وجوب اجتنابه وارتفاعه وهو مستصحب ، فبالنسبة إلى هذا الوجوب المستصحب يجب مراعاة تقديم الموافقة الاحتماليّة على المخالفة القطعيّة بعد تعذّر الموافقة القطعيّة.
وأمّا الصورة الثالثة : فالظاهر وجوب الاجتناب فيها عن الباقي مطلقا ولو مع سبق الاضطرار على العلم بحرمة أحدهما أو نجاسته ، لأنّه إنّما يوجب في هذه الصورة سقوط بعض المقدّمات العلميّة عن الاعتبار ولا يوجب خروج الحرام والنجس الواقعيّين عن وجوب الاجتناب ، ولذا لم يجز ارتكابه لو علم به تفصيلا بعد طروّ الاضطرار إلى أحدهما على البدل ، لأنّه ليس اضطرارا إلى الحرام أو النجس.
فالفرق بين هذه الصورة والصورة الاولى أنّه في الصورة الاولى حصل الاضطرار إلى أحد أمرين لو علم المحرّم منهما تفصيلا وكان المحرّم الواقعي هو المضطرّ إليه جاز ارتكابه.
وفي هذه الصورة حصل الاضطرار إلى أحد أمرين لو علم المحرّم منهما تفصيلا لم يجز ارتكابه ، لعدم اضطرار إلى ارتكابه ، فالاضطرار المجامع للعلم الإجمالي السابق