وفيه ـ بعد تسليم صحّة الفرض ـ : أنّ الأمر بالاحتياط أيضا إرشاديّ سواء كان من العقل أو الشرع ، ومن حكم الأمر الإرشادي ـ على ما ذكرناه مرارا ـ عدم تأثيره في أزيد ممّا يترتّب على الفعل والترك مع قطع النظر عنه من ثواب أو عقاب ، فالترك ما لم يصادف مخالفة الواقع لا عقاب عليه وإن كان مخالفة للأمر بالاحتياط.
نعم لو التزمنا بالعقاب عليه من حيث تضمّنه مخالفة قوله : « لا تنقض اليقين بالشكّ » (١) المفيد لتحريم نقض اليقين بالشكّ لو استندنا في وجوب الإتيان بالمحتملات إلى استصحاب شغل الذمّة فليس بذلك البعيد. ولكنّه أيضا لا يتمّ لإمكان دعوى كون النهي المذكور أيضا إرشاديّا لا حقيقيّا مفيدا للتحريم الشرعي الّذي يعاقب على مخالفته. ومع فرض التسليم يتطرّق المنع إلى صحّة استصحاب شغل الذمّة ووفائه بإثبات وجوب الإتيان بالمحتملات ، لأنّ الاستصحاب إنّما يؤثّر في ثبوت آثار المستصحب وأحكامه الّتي هي من لوازمه الشرعيّة الدائمة اللزوم له ، لا في ثبوت ما هو من مقارناته الاتفاقيّة الّتي تترتّب عليها أحيانا ، ووجوب الإتيان بما زاد على المأمور به الواقعي ليس من الآثار اللازمة لاشتغال الذمّة ، بل من مقارناته الاتفاقيّة الّتي يتحقّق معه في صورة الاشتباه خاصّة.
وثانيها : أنّه قد يتوهّم أنّ الاشتباه إن كان ناشئا عن الجهل بشرط من شروط العبادة كالقبلة فلا بدّ من القول بسقوط اعتبار هذا الشرط والتزام إهماله ، لأنّ مراعاته المقتضية للجمع بين المحتملات يوجب العجز عن إحراز شرط آخر وهو مقارنة العمل لقصد وجهه من وجوب أو ندب على وجه يعلم بذلك الوجه ، فإنّه مع الاشتباه واعتبار الشرط المجهول غير ممكن ، فدار الأمر بين إهمال أحدهما وإسقاط اعتباره ، والشرط المجهول أولى بذلك ، ويلزم منه كون المأمور به في صورة اشتباه القبلة هو الصلاة لا الصلاة إلى القبلة فيكفي صلاة واحدة. وربّما نسب الاستناد إلى هذا الوجه إلى ظاهر الحلّي وفيه مغالطة واضحة.
فأوّل ما يرد عليه : منع اعتبار قصد الوجه والعلم به في صحّة العبادة رأسا.
وثانيه : أنّ مقارنة المأمور به الواقعي لقصد الوجه يحرز على نحو ما يحرز به مقارنته لقصد القربة بلا فرق بينهما ، فالعجز عن إحرازه مع مراعاة الشرط المجهول محلّ منع. وطريق إحرازهما هو أن ينوي حين الأخذ بالجمع بين المحتملات الإتيان بها للتوصّل إلى
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٢١ الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٣.