الأوّل تعويلا على أصل البراءة.
نعم ربّما يشكل الحال بالنسبة إلى ما ذكرناه من عدم وجوب الفحص في إعمال أصل البراءة في الموضوعات مطلقا في شيئين :
أحدهما : أنّ نفي وجوب الفحص في الموضوعات ـ على ما ذكرت ـ كيف يجامع ما ذكروه في ثمرة مسألة دخول العلم في مداليل الألفاظ وضعا أو خطابا وعدمه ، من أنّها تظهر في وجوب الفحص وعدمه في مثل قوله : « صلّ إلى القبلة ، واعمل بخبر العادل ، ولا تعمل بخبر الفاسق » فعلى القول بعدم دخوله فيها مطلقا يجب الفحص في معرفة القبلة الواقعيّة وبثبوت وصفي العدالة أو الفسق للمخبر ، وهو يناقض نفي وجوبه في العمل بالأصل.
ويندفع : بأنّ الثمرة المذكورة مفروضة فيما ورد الخطاب واشتبه مدلوله ـ باعتبار الخلاف في دخول العلم ـ بين التكليف المشروط كما هو لازم القول بدخوله والتكليف المطلق.
فعلى الأوّل لا فحص لانتفاء التكليف بانتفاء موضوعه ، لأنّ كلّ تكليف مشروط بتحقّق موضوعه.
وعلى الثاني لا بدّ من الفحص أو الاحتياط باتيان المحتملات امتثالا للتكليف المقطوع به.
ومحلّ البحث ما لو شكّ في التكليف بسبب اشتباه الموضوع ، على معنى الشكّ في صدق العنوان المعلّق عليه الحكم على الموضوع الخارجي ، فنفي وجوب الفحص هنا لا ينافي إيجابه ثمّة ، والفارق أنّ مورد الثمرة ما كان على فرض الاشتباه من مجاري أصل الاشتغال ومحلّ البحث ما كان من مجاري أصل البراءة.
وثانيهما : ما صار إليه جماعة في مسألة استطاعة الحجّ ونصاب الزكاة عند الشكّ في بلوغ المال حدّ الاستطاعة والنصاب من ايجاب الفحص بمحاسبة المال ، ومنع العمل بأصل البراءة عن وجوب الحجّ ووجوب الزكاة قبل المحاسبة ، حتّى أنّه يظهر من بعض هؤلاء كبعض الأعلام كونه أصلا كلّيا في مطلق الواجبات المشروطة إذا شكّ في حصول شرط وجوبها ، حيث قال : « إنّ الواجبات المشروطة بوجود شيء إنّما يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده ، فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط ، مثل أنّ من شكّ في كون ماله مقدار استطاعة الحجّ لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول : إنّي لا أعلم أنّي مستطيع فلا يجب عليّ شيء ، بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنّه واجد للاستطاعة أو فاقد لها.