كتابا وسنّة ، كقوله عزّ من قائل : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ )(١) الآية وقوله أيضا : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(٢) وقوله عليهالسلام : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » (٣) وغيره من الروايات المتواترة الّتي يقف عليها المتتبّع.
وأنت بالتأمّل في اختلاف مساق هذه الأدلّة تعرف أنّ الفحص هاهنا يترتّب عليه فائدتان متبادلتان ، احداهما : تحصيل العلم بالحكم الواقعي ، واخراهما : احراز موضوع أصل البراءة ، فمن حيث يقصد به الفائدة الاولى يراد من الوجوب الّذي يضاف إليه الوجوب الشرعي ، المتضمّن للطلب الحتمي باعتبار كونه مقدّمة لتحصيل العلم الواجب عليه.
ومن حيث يقصد به الفائدة الثانية يراد من الوجوب المضاف إليه الوجوب الشرطي المعرّى عن الطلب ، لعدم واجب على هذا التقدير يكون الفحص مقدّمة له ، إذ العمل بأصل البراءة غير واجب ، فالوجوب المبحوث عنه هاهنا يراد به المعنى الأعمّ الدائر بين النوعين.
وأيّا ما ثبت كفى في ثبوت المطلب ، والأدلّة المقامة عليه مختلفة المفاد ، لانطباق بعضها على المعنى الأعمّ وبعضها الآخر على الوجوب الشرعي ، وبعضها الثالث على الوجوب الشرطي.
وكيف كان فأصل الوجوب ممّا لا شبهة فيه ولا كلام ، وإنّما الكلام في أنّه إذا ترك الفحص وبنى على أصل البراءة من دون فحص ، ويتكلّم فيه تارة من حيث استحقاقه العقاب وعدمه ، واخرى من حيث صحّة عمله الواقع منه في بنائه على الأصل.
أمّا الجهة الاولى : فالعقاب قد يتصوّر بالقياس إلى ترك الفحص ، وقد يتصوّر بالقياس إلى الأخذ بالأصل طابق الواقع أو خالفه ، وقد يتصوّر بالقياس إلى الواقع على تقدير مخالفة الأصل المعمول به للواقع ، فقد اختلفوا فيه على أقوال ثلاث :
الأوّل : أنّه يعاقب على ترك التعلّم الّذي هو بعينه ترك الفحص ولو مع مطابقة الأصل الواقع ، لا على الواقع ولو مع مخالفة الأصل إيّاه ، لقبح تكليف الغافل كما عن المحقّق الأردبيلي (٤) وتلميذه صاحب المدارك (٥) ، وعن بعض المدقّقين (٦) أنّه قول بالعقاب على ترك المقدّمة دون ذي المقدّمة ، وهذا بناء منهما على وجوب المقدّمة لذاتها.
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) النحل : ٤٣ ، الانبياء : ٧.
(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٧٠ ح ٣٦.
(٤) مجمع الفائدة ٢ : ١١٠.
(٥) المدارك ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ و ٣ : ٢١٩.
(٦) هو المحقّق جمال الدين الخوانساري في حاشيته على الروضة : ٣٤٥.